في خضم أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين الجزائر وفرنسا على خلفية اعتراف باريس بسيادة المغرب على الصحراء تسعى الجزائر لإعادة صياغة استراتيجياتها السياسية والدبلوماسية داخل المشهد الفرنسي.
ومن أبرز الشخصيات التي تراهن عليها الجزائر لتحقيق هذا الهدف،الدبلوماسي الفرنسي البارز دومينيك دو فيلبان،ابن مدينة الخميسات المغربية.
دومينيك دو فيلبان: سيرة غنية بجذور مغربية
ولد دومينيك دو فيلبان عام 1953 في مدينة الخميسات المغربية،حيث عاش سنوات طفولته وتلقى تعليمه الابتدائي في العاصمة الرباط قبل أن ينتقل مع أسرته إلى فرنسا. هذه النشأة المغربية أكسبته ارتباطا عاطفيا وثقافيا خاصا بالمغرب، الذي ظل حاضرا في خلفيته الشخصية.
اشتهر دو فيلبان بمسيرته السياسية المتميزة،حيث شغل عدة مناصب مهمة، منها وزير الخارجية بين عامي 2002 و2004، ثم رئيسا للوزراء بين عامي 2005 و2007 خلال فترة حكم الرئيس جاك شيراك. يذكر دو فيلبان بمواقفه الصارمة في السياسة الدولية،بما في ذلك معارضته الشهيرة للحرب على العراق أمام مجلس الأمن عام 2003، والتي نالت احتراما عالميا.
علاقة وثيقة مع الجزائر
وفقا لتقارير إعلامية بينها “مغرب إنتليجنس”،قام دو فيلبان بزيارتين رسميتين إلى الجزائر خلال السنوات الأخيرة،التقى خلالهما شخصيات بارزة من القيادة الجزائرية. هذه الزيارات تبرز التقارب بين الطرفين،حيث تسعى الجزائر إلى استثمار علاقات دو فيلبان الواسعة في فرنسا لتقوية نفوذها داخل الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية.
التقارير تشير إلى أن الجزائر كرّمت دو فيلبان وعرضت عليه دعما مباشرا للمساهمة في تشكيل لوبي سياسي قوي يدافع عن مصالحها في فرنسا. هذه الجهود تأتي ضمن خطة أوسع تهدف إلى تعزيز الحضور الجزائري في الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة عام 2027.
رهان الجزائر على الانتخابات الفرنسية
تسعى الجزائر إلى استغلال تحالفاتها مع شخصيات نافذة في فرنسا، مثل دومينيك دو فيلبان،لدعم مرشحين رئاسيين محتملين يتبنون أجندة تتماشى مع مصالحها الإقليمية والدولية.وتركز هذه الاستراتيجية ايضا على الترويج لصورة الجزائر كشريك سياسي واقتصادي مهم لفرنسا،على الرغم من التوترات الأخيرة بين البلدين.
بالإضافة إلى ذلك،ذكرت التقارير أن الجزائر تسعى لدعم شخصيات اقتصادية وإعلامية فرنسية ذات نفوذ، مثل رجل الأعمال يزيد صبيغ،بهدف تشكيل لوبي قوي قادر على التأثير في قرارات السياسة الفرنسية وتعزيز مصالح الجزائر داخل الدوائر السياسية والاقتصادية.
أزمة العلاقات الجزائرية-الفرنسية: خلفيات وأبعاد
تأتي هذه التحركات الجزائرية في سياق أزمة دبلوماسية متصاعدة بين الجزائر وباريس. أبرز أسباب هذه الأزمة كان اعتراف فرنسا الصريح بمغربية الصحراء، وهو ما اعتبرته الجزائر تطورا خطيرا في موقف باريس التقليدي بشأن نزاع الصحراء. بالإضافة إلى ذلك،تعاني العلاقات من توترات متعلقة بملفات الهجرة والتعاون الأمني والذاكرة التاريخية المتعلقة بالاستعمار الفرنسي للجزائر.
هذا التصعيد في الخلاف دفع الجزائر إلى البحث عن فرص لإعادة التموضع داخل السياسة الفرنسية،سواء عبر العلاقات المباشرة مع الحكومة الفرنسية أو من خلال دعم شخصيات نافذة في المشهد السياسي الفرنسي.
التطلعات الجزائرية في السياسة الفرنسية
تدرك الجزائر أهمية التأثير في السياسة الفرنسية، بالنظر إلى العلاقات التاريخية والمصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2027، يبدو أن الجزائر ترى في دومينيك دو فيلبان أداة فعالة لتعزيز حضورها ومواقفها داخل فرنسا، خصوصا في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها المشهد السياسي الفرنسي، بما في ذلك صعود تيارات يمينية وشعبوية.
تظهر التحركات الجزائرية أن استراتيجيتها تعتمد على اللعب بأوراق غير تقليدية،مثل دعم شخصيات سياسية فرنسية ذات خلفيات دبلوماسية واقتصادية مؤثرة.ومع التحديات المتزايدة التي تواجهها الجزائر على الصعيدين الإقليمي والدولي، يبقى السؤال مفتوحا حول مدى فعالية هذه الرهانات في استعادة نفوذها داخل فرنسا، خصوصا مع استمرار تقارب باريس مع الرباط.