الخطاب الذي ألقاه الرئيس الجنوب إفريقي السيد ماتاميلا سيريل رامافوزا أمام البرلمان الجزائري خَيَّب آمال و طموحات الشعوب الإفريقية التي تراهن على رئاسة جمهورية جنوب إفريقيا للدورة الحالية لمجموعة دول العشرين الإقتصادية بما تمثله من فرصة من أجل الترافع الجدي عن قضايا القارة الإفريقية و حق الشعوب الإفريقية في التنمية المستدامة و الأمن و السلام و الإستقرار ، فتحت رئاسة جنوب إفريقيا، من المتوقع أن تعطي مجموعة العشرين الأولوية للقضايا الأكثر إلحاحا في إفريقيا مثل التنمية المستدامة و الوصول العادل إلى الموارد و الاستقرار الاقتصادي العالمي، مع تسليط الضوء على تحديات وفرص إفريقيا، وتعزيز تمثيل أكثر توازنًا للجنوب العالمي في الخطاب الدولي من خلال التأكيد على ضرورة الحفاظ على سيادة و وحدة الدول في مواجهة المخططات التقسيمية و ليس العكس ، بدل أن يستغل السيد رامافوزا وجوده في البرلمان الجزائري ليدعو النظام الشمولي الجزائري إلى وقف حالة الجمود الإقليمي الذي ورط فيه مختلف شعوب شمال القارة الإفريقية و عطل بموجبه الإتحاد المغاربي كفضاء إقليمي للتنمية و الإستقرار من خلال دعمه الواضح لميليشيا البوليساريو الإرهابية التي تهدد الإستقرار الإقليمي لمنطقة تعيش في ظل تحديات جيوسياسية متعددة بسبب وجود السرطان الإقليمي المتمثل في مخيمات الذل و الإهانة بتندوف التي تحولت بسبب ضيق الأفق التنموي و حالة الحصار التي تمارسه عصابات الرابوني على عشرات الآلاف من المحتجزين إلى بيئة حاضنة لمختلف التحديات الأمنية التي تهدد المنطقة كالإرهاب و الجريمة العابرة القارات و الإتجار في البشر و غيرها من التحديات .
الشعوب الإفريقية كانت تنتظر من السيد سيريل رامافوزا أن لا يغض الطرف على جرائم ضد الإنسانية شبيهة بجرائم نظام الأبارتايد العنصري تقع على بعد مئات الأميال من الجزائر العاصمة و أن يتحدث عن الوضعية المأساوية التي يعيشها عشرات الآلاف من المحتجزين الأفارقة في مخيمات تندوف السيئة السمعة التي تحولت إلى أكبر سجن في التاريخ الإنساني منذ أكثر من 50 سنة حيث تمارس في حق المحتجزين كل أنواع التنكيل و القتل و الإحتجاز و الحرمان من الحقوق السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية بتواطئ مع النظام الشمولي الجزائري الذي يوفر لقادة هذه الميليشيا الإرهابية كل انواع الدعم السياسي و الديبلوماسي و المادي و العسكري من أجل خدمة المشروع البومديني للهيمنة على مقدرات الشعوب الإفريقية بعد بناء وهم الدولة الجزائرية الكبرى الممتدة من صحراء سيوة إلى المحيط الأطلسي .
السيد سيريل رامافوزا إرتكب خطأ تاريخيا و ديبلوماسيا كبيرا كرئيس لمجموعة الدول العشرين الإقتصادية حيث أعلن علانية عن دعم بلاده التي تتولى الرئاسة الحالية للمجموعة لمشروع تقسيمي يهدد الوحدة الترابية للمملكة المغربية الشريك الإستراتيجي الهام لمختلف الدول الأعضاء في مجموعة G20 التي تمثل مجتمعة حوالي 90% من إجمالي الناتج العالمي، و80% من التجارة العالمية وثلثي سكان العالم، وحوالي نصف مساحة اليابسة في العالم و هي الدول التي تدعم بشكل مباشر الوحدة الترابية للمملكة المغربية من خلال الدعم الواضح لمقترح الحكم الذاتي بإعتباره الحل الوحيد للنزاع الإقليمي المفتعل في الصحراء المغربية و بشكل خاص الترويكا المشكلة من الرئاسة السابقة والحالية والقادمة لمجموعة دول العشرين التي تقوم بمهام الأمانة العامة و تضم هذه الترويكا البرازيل التي جددت دعمها لمقترح الحكم الذاتي و الولايات المتحدة الأمريكية التي تعترف بشكل واضح لا لبس فيه بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية ؛ ما تجاهله السيد رامافوزا أن دفاعه عن الطرح الإنفصالي في البرلمان الجزائري قد حول خطابه إلى حركة بهلوانية مسيئة للتراث النضالي للشعب الجنوب إفريقي و للزخم السياسي و الديبلوماسي الذي صاحب ترؤس جنوب إفريقيا للدورة الحالية لمجموعة العشرين ، يحدث هذا في مقابل دينامية التغيير الإستراتيجي في النزاع الإقليمي المفتعل التي يقودها بثبات رائد العمل الإفريقي المشترك جلالة الملك محمد السادس نصره الله حيث إن 85% من دول العالم (164 دولة من أصل 193 عضوًا في الأمم المتحدة) لا تعترف بالكيان الانفصالي كما أن 112 دولة تدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، ومن بينها أكثر من 60 ٪ من الدول الإفريقية عبرت على دعمها الكامل لهذه المبادرة الخلاقة .
لا يخفى على أحد أن مخططات دعم الميليشيات الانفصالية والتقسيمية التي تروج لها جنوب إفريقيا قاريا تلعب دورًا مدمرًا في تعطيل الطموحات الأفريقية نحو التنمية المستدامة والوحدة السياسية التي تجسدها رؤية إفريقيا 2063 ، حيث ترسخ هذه المخططات التقسيمية التهديدات الأمنية و العسكرية و النزاعات المسلحة وغياب الاستقرار و تمدد الجماعات الإرهابية و المنظمات الإجرامية العابرة للقارات و الميليشيات الانفصالية و تعزز فرص نجاح الفواعل التي تهدف إلى تقسيم الدول و تهديد سيادتها مما يعرقل جهود التكامل والسيطرة على الموارد ،ويزيد من حدة الفقر والبطالة ،حيث تُضعف هذه الانقسامات من تأثير قيم الحكم الرشيد والديمقراطية على المجتمع بشكل يكرس أساليب إنتهاك حقوق الإنسان في إرتباطها بالتنمية و على هذا الأساس تسهم هذه العوامل في تفشي ثقافة العنف و التطرف مما يعيق جهود تحقيق السلام والأمان ويجعل من الصعب على شعوب القارة تحقيق رؤيتها لعام 2063 ،و هنا يجب التأكيد أن دعم السيد رامافوزا لميليشيا البوليساريو الإرهابية في خطاب أمام البرلمان الجزائري يتعارض مع القيم الإفريقية التي تجسدها رؤية إفريقيا 2063 حيث من المنتظر أن تلعب هذه الأجندة دورًا محوريًا في حل النزاعات في إفريقيا بهدف تعزيز السلام والأمن و الإستقرار ،و ترسخ جهود تبني نهج وقائي لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاعات مثل الفقر و الإرهاب من خلال إستخدام الحوار والمصالحة كوسيلة لحل الخلافات ، و بالتالي فهذا الخطاب يتعارض مع السياق القاري الداعم للموقف المغربي من النزاع الإقليمي المفتعل في الصحراء المغربية و المؤيد لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل سياسي تفاوضي لهذا النزاع الإقليمي .
خطاب السيد رامافوزا أمام البرلمان الجزائري هو إرتداد صريح لجمهورية جنوب إفريقيا و المؤتمر الوطني الإفريقي على قيم نيلسون مانديلا من خلال دعم مخطط تقسيمي يهدد حرية و إستقلال و سيادة المملكة المغربية و يشجع السياسات الإستعمارية الجديدة الذي تمثلها الدول الوظيفية كالنظام الشمولي الجزائري ؛ حيث أن هذا الخطاب يمثل تكريسا واضحا لسياسات جنوب إفريقيا العدائية ضد المملكة المغربية و التي تظهر بالملموس تشكل محور الجزائر – بريتوريا الذي يستهدف الإستقرار الإقليمي و السيادة المغربية بدعم ميليشيا البوليساريو الإرهابية التي تهدد الأمن الإقليمي و القاري، فالملاحظ انه هناك شبه إتفاق بين محور بريتوريا / الجزائر على تحجيم دور المغرب قاريا و إقليميا ، فالتقدم الكبير الذي حققه المغرب في إفريقيا و خاصة في شرقها و جنوبها أصبح يزعج مراكز القرار السياسية في بريتوريا و الإقتصادية في جوهانسبورغ كما أن قوة و مرونة و جاذبية الإقتصاد المغربي أصبحت تشكل منافسا حقيقيا لقوة الإقتصاد الجنوب إفريقي في القارة .
فالتمدد الجيوسياسي المغربي في إفريقيا بإستخدام قنوات ديبلوماسية متعددة الأطراف كالإتفاقات الإقليمية و القارية المرتبطة بالمناخ و العودة القوية إلى منظمة الإتحاد الإفريقي و التموقع الجيد في هياكله القارية و الإنخراط الجدي في التكتلات الإقليمية الجديدة كمجموعة دول إفريقيا الأطلسية و المبادرة الملكية لتسهيل ولوج دول الساحل للواجهة الأطلسية و المشروع الهيكلي أنبوب الغاز الإفريقي – الأطلسي بتداعياته التنموية الإيجابية على غرب إفريقيا و مناورات الأسد الإفريقي و هيمنتها على المجال الأمني المفتوح في الصحراء الإفريقية و الساحل و نجاح نهج ديبلوماسية القنصليات و الزخم السياسي المصاحب لها كلها ملفات تشكل أمام النظام الجنوب إفريقي تحديات قارية تعمل جاهدة على وقف تأثيرها على تموقعها السياسي كدولة رائدة إفريقية .
كل هذه المعطيات تزعج محور بريتوريا / الجزائر الذي يرى في المغرب بتوجهاته السياسية و الإقتصادية تهديدا لمصالحه و بالتالي فخطاب السيد رامافوزا العدائي ضد المغرب في البرلمان الجزائري بهذا التوقيت هدفه الأساس مواجهة التمدد الجيوسياسي المغربي في إفريقيا حيث أصبح المغرب بحكم موقعه الجغرافي و تاريخه الإفريقي المشترك من الدول الأكثر حضورا و تمثيلا للقارة الإفريقية و شعوبها في المنتظم الدولي خاصة في الترافع على القضايا الإفريقية المشتركة كالتغير المناخي و التنمية المستدامة و الأمن و مكافحة الإرهاب و التطرف و الهجرة حيث يعتبر جلالة الملك محمد السادس رائد الهجرة الإفريقية بقرار من الدول الإفريقية مجتمعة .
بالنظر إلى العلاقات الوطيدة بين بريتوريا و الجزائر العاصمة تتكشف الكثير من خيوط اللعبة الخفية التي تلعبها المخابرات الجزائرية و دوائر إقليمية للإضرار بالمصالح العليا للمغرب في مختلف الميادين و الساحات الديبلوماسية و محاولة فاشلة لتحجيم دور الرباط المتعاظم قاريا و الضغط عليها سياسيا لتحقيق مكاسب إقتصادية في السوق المغربية الواعدة .
العقل الإستراتيجي المغربي إنطلاقا من الثوابت المؤسسة لسياسته الخارجية و المواقف الراسخة إزاء قضيته الوطنية الاولى قادر على إجهاض كل المؤامرات الدنيئة و المخططات الخبيثة التي تستهدف المغرب و وحدته الترابية ، جنوب إفريقيا كدولة فاعلة في محيطها القاري و الدولي اليوم بسياساتها تسير في إطار ممنهج ضد مصالح الأجيال القادمة و بشكل يخالف الأسس التي إنبنت عليها فكرة قيام دولة جنوب إفريقيا الديمقراطية ما بعد حقبة الأبارتايد بمراهنتها على نظام شمولي غير ديمقراطي لا رؤية إستراتيجية له من أجل بناء محور قاري بين الجزائر و بريتوريا وجوده مرتبط بمعاكسة دولة ذات سيادة في الحفاظ على وحدتها الترابية و أمنها القومي بأبعاده المتعددة ، المملكة المغربية تصر اليوم من خلال مقاربتها الحضارية الشاملة و مبادراتها التنموية المهيكلة على بناء صرح قاري هدفه الحفاظ و تثمين مقدرات و ثروات الشعوب الإفريقية و ضمان حقوق الأجيال القادمة من الأفارقة في العيش الكريم و الأمن والسلام و الإستقرار .