في العاشر من دجنبر 2024، يحتفي العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان، والذي يُصادف الذكرى السادسة والسبعين لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الوثيقة التاريخية التي أرست أسس الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية، والذي اتخدت له الأمم المتحدة هذا العام شعار: “معًا من أجل تعزيز الحقوق الإنسانية والتنمية المستدامة”.
وتأتي هذه الذكرى هذه السنة في سياق عالمي ووطني حافل بالتحديات، منها تفاقم النزاعات المسلحة، وأزمة المناخ العالمية، وتزايد النزعات الدولية التي تهدد المكاسب الحقوقية.
وعلى الصعيد الوطني، تُواجه المغرب أزمات اجتماعية واقتصادية عميقة تتطلب استجابة فورية وشاملة تُركز على حقوق الإنسان كركيزة أساسية للتنمية.
ان العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، وفي إطار التزامها المستمر بالدفاع عن الكرامة الإنسانية، تقدم هذا التقرير لاستعراض الوضع الحقوقي بالمغرب، مع تحليل أبرز التحديات، والإشارة إلى الإنجازات، وتقديم توصيات ملموسة لتطوير الإطار التشريعي والسياساتي في البلاد.
السياق الوطني لحقوق الإنسان
- الحقوق المدنية والسياسية
– الحق في الحياة وعقوبة الإعدام
رغم التنصيص على الحق في الحياة في الفصل 20 من دستور 2011، لا تزال المحاكم المغربية،إلى حدود كتابة هذا التصريح، تصدر أحكامًا بالإعدام. فخلال هذه السنة، أصدرت المحاكم المغربية 12 حكمًا جديدًا، مع إبقاء حوالي 70 سجينًا في طابور الإعدام.
لقد استبشر الرأي العام خيرا بتصريح وزير العدل أمام البرلمان بعزم المغرب التصويت بالموافقة على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الثلاثاء العاشر من دجنبر، وهو القرار الذي نعتبره قرارا تاريخيا يعكس انسجام الدولة مع الالتزاماتها الوطنية المتجلية في الدستور من خلال الفصل 20 وتوصيات الإنصاف والمصالحة، وكذا التزاماتها الدولية المرتبطة بالاتفاقيات والمعاهدات كالاعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
– حرية التعبير والصحافة
شهد المغرب في 2024 محاكمة 25 ناشطًا وصحفيًا بسبب آرائهم، من بينهم حالات بارزة حوكم جلهم في ظروف جلبت انتقادات واحتجاجات بسبب انتفاء شروط المحاكمة العادلة، ومما زاد من استنكار الرأي العام الوطني محاكمة هؤلاء في حالة اعتقال اعتمادا على مضمون القانون الجنائي.
وحسب الإحصائيات المتداولة فان 85% من المدونين المغاربة والنشطاء يُعبرون عن خوفهم من التعبير عن آرائهم في القضايا الحساسة، كما تؤكد الأرقام أنة أكثر من 4 منصات إعلامية أغلقت هذا العام بحجج تتعلق بـ”الأمن العام”.
إن وضعية الصحافة وحرية التعبير تسير في اتجاهات غير مطمئنة رغم محاولات المسؤولين التأكيد على استقرار الأوضاع أو تحسنها اعتمادًا على مؤشرات دولية ورغم المبادرة الرائدة لعاهل البلاد المتجلية في تفعيله لألية العفو والإفراج عن عدد من الصحافيين والنشطاء.
لقد أصبح لزاما على الحكومة والجهات القضائية المختصة، ان تتفاعل بشكل فوري وآني مع مطالب الحركة الحقوقية وإيقاف مسلسل المتابعات في حق الصحافيين والمعبرات والمعبرين عن الرأي وصد مد التشهير وإصلاح شامل لقانون الصحافة والنشر ليتماشى مع المعايير الدولية.
– حرية التجمع والتنظيم
رغم إقرار الدستور بحرية التجمع السلمي، سجلت العصبة في 2024 أكثر من 100 حالة منع للتظاهرات السلمية.
ورغم ان عمليات قمع الاحتجاجات قد انخفضت بشكل طفيف إلا ان قوتها وجسامتها مازالت في تصاعد، حيث تعرضت عدد من الأشكال الاحتجاجية للاستعمال المفرط للقوة مما أسفر عن إصابات جسدية بليغة وتوقيفات في صفوف المحتجين الذين توبع أغلبهم في حالة سراح، وهو ما يستوجب الوقوف أمام راهنية مراجعة قانون التجمعات العامة لضمان احترام الحق في الاحتجاج السلمي.
- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
– البطالة والتشغيل
وصلت البطالة إلى 13.5% سنة 2024، مع ارتفاعها إلى 30% بين الشباب دون سن 25 عامًا، ولعل من أبرز مظاهر هذا الإخفاق، على سبيل المثال لا الحصر، تعثر، برنامج “أوراش 2” وبرامج أخرى وإخفاق السياسات الحكومية المتعاقبة وغياب مشاريع تنموية في المناطق المهمشة، وهو ما يستعجل تطوير استراتيجيات تشغيل شاملة تُركز على الصناعات الخضراء والابتكار التكنولوجي.
– الصحة العامة
لا يزال القطاع الصحي يعاني من نقص الموارد، حيث تُخصص الدولة 6.2% فقط من ميزانيتها للصحة، كما يعاني المغرب من عجز يُقدر بـ 12,000 طبيب و20,000 ممرض، وهو ما أدى بشكل مخجل إلى وفاة مرضى في المناطق النائية بسبب غياب التجهيزات الطبية.
لقد أضحى معلوما لدى الرأي العام الوطني أن مشكلة تردي الخدمات الصحية راجع، بالإضافة إلى ما تم التطرق اليه آنفا، إلى تفشي الفساد في كل مجالات هذ القطاع وعلى رأسها مجال الأدوية التي فتحت فيها النيابة العامة تحقيقات مازلنا لحد الآن لن نتعرف على نتائجها.
بات من اللازم اليوم قبل غد أن تولي الحكومة اهتماما لهذا القطاع وإصلاح منظومته والزيادة في ميزانيته إلى 10% وتحسين توزيع الموارد بين المناطق، واجتثات منابع الفساد التي صارت تزوده بما يساعد في تغلغلها عبر فيروسات خبيثة قد تؤدي إلى تقويض جهود ترسيخ منظومة الحماية الاجتماعية.
– التعليم
رغم الإصلاحات المعلنة، تراجع المغرب إلى المرتبة 136 عالميًا في جودة التعليم، ووصلت نسبة الأمية بين البالغين إلى 26%، وتعاظمت نسب الهدر المدرسي خاصة في العالم القروي، كما أدت سياسة التنكيل برجال التعليم إلى فقدان
المدرسة العمومية لقيمها، واستبيحت المناهج الدراسية ولم تعد تستجيب للتطورات التي يعرفها العالم في هذا الصدد.
إن على الحكومة أن تستوعب فكرة أن قطاع التعليم كما هو الحاضر هو بالأساس المستقبل الذي يتوجب علينا أن نستثمر في أجياله ونعدهم لمجابهة تحدياته وذلك بالرفع من الميزانية المخصصة للتعليم وإطلاق برامج عاجلة لمحاربة الأمية.
– السكن
ما زال حوالي 100,000 أسرة تعيش في دور الصفيح، مع بطء كبير في تنفيذ برنامج “مدن بدون صفيح”، كما أن آلاف الأسر بمدن بقيت مشردة بفعل هدم دورها دون تمتعيها بحق الاستفادة من البرنامج.
وحسب المعطيات المتوفرة فقد شهدت عدة مدن انهيار 25 مبنى كان آيلًا للسقوط خلال 2024، مما يتيح لنا المجال للحديث عن جدوى البرامج الحكومية المخصصة للحد من هذه الكوارث.
كما تؤكد المعطيات أن عدد لا يحصى من ضحايا الكوارث الطبيعية التي عرفتها بلادنا خلال هذه السنة والسنة الماضية لم توف الحكومة بوعودها لهم وظل بعظهم بغير سكن لائق او تعويض يجبر الضرر الذي تعرضوا له.
ان ما سيعرفه المغرب في السنوات المقبلة من امتحانات تتجلى في التظاهرات الدولية المستقطبة لملايين الزوار لايتناهى مع الوضع السكني الذي تعرفه عدد من المدن والقرى المغربية، لذا فإنه الواجب العمل على تعزيز برامج الإسكان الاجتماعي وتسريع عملية إعادة تأهيل المباني، وتاهيل المناطق التي شهدت كوارث طبيعية.
الحقوق الفئوية
– حقوق المرأة
تُعاني المرأة المغربية من فجوة أجور تبلغ 17% وارتفاع معدلات العنف الأسري بنسبة 10%.كما تسجيل حوالي 25,000 حالة عنف ضد النساء خلال سنة 2024، والوضع هذا في حد ذاته يؤشر معطى مهم يرتبط بضرورة التطبيق الصارم لقانون محاربة العنف ضد النساء وزيادة التوعية المجتمعية.
– حقوق الطفل
بلغ عدد الأطفال المتسربين من التعليم 100,000 طفل، مع ارتفاع في حالات عمالة الأطفال، ناهيك عن انتهاكات متكررة تتخذ لها اشكالاً متعددة من أبرزها ظاهرة اغتصاب الأطفال التي ارتفعت بشكل مهول خلال هذه السنة.
لذا فإننا نرى انه من الضروري ان تتم فرض رقابة مشددة على تشغيل الأطفال واعتماد برامج إعادة الإدماج الدراسي، كما ندعو إلى سن قانون حقوق الطفل، يتضمن كل الحقوق المتعارف عليها دوليا و التي صادق عليها المغرب مع مراعاة الخصوصية المغربية في هذا الإطار .
– حقوق ذوي الإعاقة
تعيش فئة الأشخاص ذوي الإعاقة وضعية لا تتماهى مع طموحات الشعب المغربي عامة و المواطنات والمواطنين من هذه الفئة خاصة، وقد اشارت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان في بيانها الأخير بمناسبة اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة بالتفصيل الى ما آلت اليه أحوالهم، ولعل اهم المؤشرات التي تم التطرق إليها هي ان أقل من 5% من الأماكن العامة مُهيأة لاستقبال ذوي الإعاقة، هذا بالإضافة إلى ضعف وسائل الرعاية والمواكبة والمراقبة، لذلك فان أقصر طريق للاهتمام بالأشخاص ذوي الإعاقة هي تطوير تشريعات تُعزز إدماجهم في التعليم وسوق العمل، معززة بآليات الرقابة ومحاسبة كل من سولت له نفسه التعامل معهم بمنطق الدونية.
- السياق الدولي
في المناطق التي تشهد نزاعًا مسلحًا، تتعرض حقوق الإنسان لانتهاكات جسيمة، تتراوح بين القتل الجماعي، التعذيب، والاعتقال التعسفي، وصولًا إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. غالبًا ما تكون هذه الانتهاكات نتيجة مباشرة للاقتتال العنيف، انهيار سيادة القانون، واستهداف المدنيين بشكل متعمد من قبل أطراف النزاع.
الوضع في غزة شهد تصعيدًا غير مسبوق منذ أكتوبر 2023، عندما شنت إسرائيل حملة عسكرية واسعة بعد عملية “طوفان الأقصى”. هذه الحرب أدت إلى دمار هائل في البنية التحتية، ونزوح أكثر من مليون شخص. تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين أكتر من 34,000، بينهم نسبة كبيرة من الأطفال والنساء، وبلغ عدد الجرحى أكثر من 100,000 حتى كما تعاني غزة من حصار شامل أدى إلى شلل اقتصادي وانهيار الخدمات الأساسية، بما في ذلك المستشفيات التي تفتقر إلى الأدوية والوقود.
مجلس الأمن الدولي اعتمد في مارس 2024 قرارًا يطالب بوقف إطلاق النار، وهو الأول من نوعه منذ سنوات، لكنه لم يُنفذ بسبب استمرار التوترات. الوضع الإنساني كارثي، حيث يعيش أكثر من 2.3 مليون شخص في القطاع دون احتياجاتهم الأساسية، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة. كما تعرضت غزة لعشرات الغارات التي دمرت مدارس ومراكز إغاثة، مما أثار إدانات واسعة من منظمات حقوق الإنسان الدولية.
أبرز التطورات شملت دعمًا محدودًا للمساعدات الإنسانية من خلال معبر رفح بوساطة مصرية وأردنية، لكن هذه الجهود تواجه عرقلة بسبب الوضع الأمني والتوترات السياسية الإقليمية. الحصار الإسرائيلي يشمل منع دخول الوقود والكهرباء، مما جعل القطاع غير صالح للعيش، وفقًا للأمم المتحدة. يُذكر أن اقتصاد غزة انكمش بنسبة 81%، مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق .
في أوكرانيا، خلفت الحرب المستمرة منذ فبراير 2022 أكثر من 9,000 قتيل مدني وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، ونزوح حوالي 8 ملايين شخص خارج البلاد، فضلًا عن نزوح داخلي لملايين آخرين. استهداف المرافق الحيوية، مثل المستشفيات وشبكات الكهرباء، أدى إلى أزمة إنسانية واسعة النطاق، حيث يواجه السكان ظروفًا معيشية صعبة، خاصة في فصل الشتاء. تقارير متعددة وثّقت حالات الإعدام الميداني والتعذيب وجرائم الحرب على يد أطراف النزاع.
في اليمن، يعيش 21.6 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، ويعاني أكثر من 17 مليون من انعدام الأمن الغذائي، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة لعام 2024. الحرب المستمرة منذ 2015 أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات الآلاف، بينما تسببت في نزوح أكثر من 4.5 مليون شخص. الأطفال والنساء هم الأكثر تضررًا، حيث يواجه أكثر من 2.2 مليون طفل خطر سوء التغذية الحاد، بينما تتزايد انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك استهداف المدنيين والتجنيد القسري للأطفال.
في سوريا، تجاوز النزاع عامه الثالث عشر، مخلفًا أكثر من 350,000 قتيل وفقًا للأمم المتحدة، بينما تقدّر مصادر أخرى الأعداد بأنها أعلى بكثير. نزح أكثر من 6.9 مليون شخص داخليًا، بينما لجأ حوالي 5.5 مليون إلى دول مجاورة. تتسم الانتهاكات في سوريا بالتعذيب، الإخفاء القسري، والهجمات الكيميائية. كما يعاني المدنيون من نقص حاد في الغذاء والدواء، حيث يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر، وفق تقارير برنامج الغذاء العالمي لعام 2024.
في العراق، على الرغم من تحسن الأوضاع الأمنية مقارنة بالسنوات السابقة، إلا أن الانتهاكات الحقوقية لا تزال مستمرة
خصوصًا في المناطق المتأثرة بالصراعات مع تنظيم “داعش”. قُتل عشرات الآلاف من المدنيين خلال النزاع، وتعرضت آلاف النساء للإبادة الجنسية والاستعباد. ما زال أكثر من مليون شخص نازحًا داخليًا، بينما تعاني المناطق المتضررة من نقص في الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم.
في مخيمات تندوف، يعيش حوالي 173,000 لاجئ صحراوي في ظروف قاسية، حيث تفتقر المخيمات إلى المياه الصالحة للشرب، والرعاية الصحية والتعليم الكافيين. تقارير متعددة أثارت قلقًا بشأن القيود المفروضة على حرية التنقل، وغياب آليات فعالة لضمان حقوق السكان، الذين يعيشون في عزلة عن المجتمع الدولي، مما يعرضهم لانتهاكات إضافية.
العدالة المناخية تعكس الترابط الوثيق بين حقوق الإنسان والبيئة، وتؤكد على التزام المجتمع الدولي بضمان توزيع عادل لتبعات التغير المناخي. خلال عام 2024، تصاعدت الدعوات إلى حماية حقوق السكان الأكثر تأثرًا، خاصة المجتمعات الضعيفة في المناطق الساحلية والجافة. الانتهاكات البيئية، مثل إزالة الغابات والتلوث، تهدد الحق في الصحة والمأوى والغذاء. الجهود العالمية، بما في ذلك المؤتمرات المناخية، تسعى لتعزيز التمويل العادل لدعم التكيف المناخي والتخفيف من الأضرار، مع التأكيد على دور الحكومات في حماية حقوق الأجيال الحالية والقادمة.
التصدي لهذه الانتهاكات يتطلب التزامًا دوليًا بمحاسبة المسؤولين عنها، تعزيز جهود الوساطة لإنهاء النزاعات، وضمان تقديم الدعم الإنساني العاجل للضحايا في هذه المناطق المتضررة.