المشهد الإعلامي بالمغرب و”مقصلة” الاتفاق المشترك
بقلم/ عبد السلام العزوزي
يعرف المشهد الإعلامي بالمغرب رجات قوية وتصدعا كبيرا وغير مسبوق في جسمه المهني وفي تنظيمه الذاتي أيضا، منذ الاقرار بلجنة مؤقتة خارج سياق الدستور المغربي “فرضتها” الحكومة على المؤسسة التشريعية، بعد انتهاء الفترة الانتخابية للمجلس الوطني للصحافة والتي صوتت – المؤسسة التشريعية -عليها قسرا في أبشع صور الدوس على الوثيقة الدستورية التي انبثقت من استفتاء شعبي كبير بعد إشراك مختلف الحساسيات السياسية والمجتمعية في صياغتها في العام 2011.
وإذ ينتخب التنظيم الذاتي لمهنة الصِّحافة من أرباب المقاولات الصحفية ومن الأجراء، وبالرغم من ما شابه عملية الانتخابات من اختلالات، فلقد كانت فعلا محطة مهمة إن لم نقل تاريحية بالنسبة للجسم المهني الذي دخل مرحلة أخرى من التدبير في تنظيمه وتأطيره اعتمادا على كفاءات خبرائه الصحفيين، بعيدا عن أي وصاية رسمية من لدن وزارة الاتصال التي تقهقرت إلى قطاع التواصل فقط، تابع لوزارة الثقافة والشباب والتواصل، كما كان في السابق.
إلا أن الرياح لم تأت بما اشتهته سفينة الصحفيين، الذين بدا لهم أن سفينتهم قد رست على شط الأمان والاستقرار والابداع والتطوير والتكوين، بحيث انتقلت عدوى الاختلالات الانتخابية مباشرة إلى مجال تسيير المجلس الوطني للصحافة الذي عرف تعثرات متتالية في التسيير والتدبير، وفي التسريع بإخراج ترسانة القوانين المجددة لعمله، ما خلق احتقانا مهنيا زاد من حدته أسلوب ومعايير توزيع بطاقة الصحافة التي ضج الحديث حول شروط منحها للمهنيين، وخلقت ارتباكا كبيرا، انتهى باحتجاجات بعض الصحفيين، ولأنها مرحلة انتقالية، فرضت تنزيل بعض القوانين الجديدة لتنظيم أكثر صرامة لتسليم بطاقة الهوية المهنية، حرصا من المجلس الوطني للصحافة على تنفيذ شروط الولوج إلى مهنة الصحافة رقيا بها وبأخلاقيات السلطة الرابعة.
وارتباطا بهذا الحراك، يقول الزميل محمد كريم بوخصاص في دراسة موسومة “بالمنظومة الإعلامية المغربية: قيود تشريعية وسياسية واقتصادية لمأسسة الولاء” نشرت في الجزيرة-نت”بات مألوفًا أن يُنظر إلى البنية التشريعية للحقل الصحافي مدخلًا لدراسة نموذج العلاقة بين المنظومة الإعلامية والنظام السياسي السائد، وهو ما ينطبق على الحالة المغربية التي عرفت في السنوات الأخيرة حراكًا إعلاميًّا لا يقلُّ أهمية عن الحراك السياسي. وذلك في سياق الجهود المستمرة لضمان حرية الصحافة وتجنب بناء “سقف زجاجي” تتم فيه مراقبة أفكار الصحافي وتصرفاته في كل لحظة، والخروج من عباءة الرقابة التي شكَّلت عبر التاريخ أداة سياسية قوية مكَّنت من طمس التطور المسالم للرأي العام”.
وحيث أن مرحلة كوفيد 19 التي فرضت على الدولة تمويل المقاولات الصحفية حفاظا على استقرار الوضعية الاجتماعية للمهنيين، فقد تكفلت بأداء أجور الصحفيين على مدى أربع سنوات، ارتفع منسوب الدعم السنوي خلالها إلى أزيد من20 مليار سنويا، وهو ما دفع بالدولة إلى الإعلان في المرسوم الجديد عن تخصيص 24 مليار سنتيم سنويا كدعم للصحف الورقية ووسائل الاعلام الالكترونية، مع تخصيص دعم الاستثمار للمقاولات التي تريد أن تطور عملها وتوسع من نشاطها الإعلامي إن على المستوى الوطني أو الدولي. “برؤية استشرافية” حكومية لتشجيع المقاولات الصحفية الصغرى، حينما خصصت لها 50% من مجموع كلفة الإنتاج وكلفة الأجور، مقابل تخصيص 40% للمقاولات المتوسطة و30% بالنسبة للمقاولات الصحفية الكبرى.
إلا أن مربط الفرس في هذا الدعم هو الشروط المجحفة التي تضمنها الاتفاق المشترك مقابل منح دعم 50 % للمقاولات الصحفية الصغرى والتي اشترطت فيه أن لا يقل الحد الأدنى لمجموع كلفة الإنتاج وكلفة الأجور لهذه المقاولات عن 900 ألف درهم، ولا يقل الحد الأدنى لرقم المعاملات عن 2 مليون درهم عن السنة السابقة عن سنة الاستفادة من الدعم لهذه المقاولات الصغرى، ومعلوم لدى صناع القرار بالمغرب، أن هذه الشروط لا يمكن أن تتوفر حاليا في كل المقاولات الصحفية الصغرى، ما يحيلها إلى المقصلة مباشرة وعلى المباشر وعيونها جاحظة، وضميرها يقظ، ومندهش، ومستغرب “لرؤية” الحكومة في الاتفاق المشترك الذي نزل صاعقة مدوية ستأتي على الأخضر واليابس في مزرعة الصحفيين التي أرادت حكومتنا الموقرة أن تجعل من مرعى المقاولات الصحفية “غُثَاءً أَحْوَى”.
وتأتي المقاولات الصحفية الجهوية لهشاشتها الفجة في الصف الأول أمام “مقصلة “الحكومة تنتظر صفارة انطلاق مسلسل الاعدامات لتغلق مكاتبها وقنواتها الرقمية، وتسرح صحفييها وموظفيها وتودع قرائها ومتابعيها ومشاهديها.
يبدو أن أفق المقاولات الصحفية الصغرى يؤشر على مزيد من الاحتقان والتمزق في الجسم المهني، أكثر مما هو عليه الآن، وهي التي، أي المقاولات الصحفية الصغرى، كانت تتطلع إلى أن تحبو حبْو المقاولات المتوسطة، لتطور من نشاطها الإعلامي وتجوِّد من محتواها الإعلامي وتأثيرها في المتلقي بدعم طالما انتظرته واشتغلت على أساس أن تكون في مستوى ما يطلبه منها القارئ والمتتبع والمشاهد.
وفي هذا السياق، رفضت التنظيمات المهنية مضمون الاتفاق المشترك، منها الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، وهي أقدم تنظيم مهني يمثل المقاولات الصحفية، وأيضا الجمعية المغربية للناشرات والإعلاميات واتحاد المقاولات الصحفية الصغرى، والجامعة الوطنية للصحافة والاعلام والاتصال تشارك في الاجتماع.
إن المغرب الذي ينتقل بسرعة القطار الفائق السرعة(TGV) في مختلف المجالات والأوراش الاقتصادية والرياضية والحقوقية والاجتماعية والثقافية، لا يمكن لهذا القطار أن ينطلق بسلاسة وبسلام وبالسرعة المطلوبة والأكيدة والمتجددة بدون أن يكون الاعلام مزودا لهذا القطار ببطارية الانطلاق والاستمرار والاطمئنان على مواصلة المسير في ظروف أفضل تغري المسافر، كما تغري المستثمر وتحفز المغاربة على تجديد الابداع في مختلف المجالات، باعتبار أن الاعلام هو صمام الأمان لهذا القطار التنموي الذي يستشرف المستقبل برؤية الذكاء الاصطناعي والتطبيع مع التكنولوجيات الحديثة المتطورة التي تغزونا كل لحظة وحين، بجديدها الذي يبهر العقل البشري ويدخله في بوثقة( كبسولة) تقنية أثبتت قدرتها على تغيير العديد من المفاهيم في حياتنا اليومية ونفذت فيها ثورة غير مسبوقة قلبت كل الموازين، وانفرط عقد التحكم من نفاذ السلطة على حراسة الحقوق والحريات في ظل غزو ثوري تعدى حدود الحرية المنصوص عليها في القوانين الوضعية وتجاوز حتى الحقوق الطبيعية في أغلب حالات التصرفات البشرية في عصرنا الراهن.
إن استعمال صناع القرار بحكومتنا الموقرة وببرلمان الأمة المغربية العقل والمنطق والواقع، هو المفروض في وضع تصور شامل لمجالنا الإعلامي برؤية التحفيز والتطوير وحفاظا على مكتسبات هامش الحرية الذي راكمته بلادنا بناء على التحفيز و التكوين المستمر لمواكبة التطور التكنولوجي المعاصر، والانتصار لضمير الوطن ولمصلحة المغاربة أجمعين ولقبيلة الصحفيين على قلتهم، (إذ بلغ عدد الصحفيين سنة 2022 ما مجموعه 3492 صحافي مهني، في الوقت الذي بلغ فيه عدد الصحفيين في فرنسا سنة 2023 أكثر من 34444 صحفي مهني حامل لبطاقة الصحافة المهنية.
يظهر أن هناك فرقا شاسعا على المستوى العددي وعلى المستوى الاجتماعي والاعتباري، بالنظر إلى البون الكبير بين رواتب الصحفيين في باريس وزملائهم في الرباط، وهو ما يفرض في المقام الأول أن يتم مراجعة رواتب الصحفيين والرفع من منسوب وضعهم الاجتماعي وتحصين حرية التعبير وحرية الرأي في المملكة والتي يشهد الواقع أن هامشا كبيرا للحرية يمارس فيه الصحفي المغربي عمله المهني وفق ضوابط المنظومة القانونية المنظمة لمهنة الصحافة، بالرغم من أن هناك بعض الرجات الحقوقية الغير مناسبة والتي تعرقل أحيانا السير العادي لتطلعات المغرب في مجالات متعددة ونها بالأساس المجال الحقوقي، خصوصا بعد تربعه مؤخرا على كرسي منظمة حقوق الانسان بجنيف.