العقوبات البديلة في المغرب: خطوة نحو عدالة إصلاحية متوازنة
في خطوة تعكس تحولا جوهريا في السياسة الجنائية المغربية،وجه الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة، يوم 11 ديسمبر 2024 مذكرة رسمية إلى الوكلاء العامين ووكلاء الملك بالمحاكم المغربية،تتعلق بتطبيق أحكام القانون رقم 43.22 بشأن العقوبات البديلة.يأتي هذا القانون الذي تم نشره في الجريدة الرسمية عام 2022،كإطار قانوني حديث يهدف إلى تعزيز العدالة التصالحية وتقليل العبء على المؤسسات السجنية.
القانون رقم 43.22: رؤية جديدة للعدالة الجنائية
يشكل القانون رقم 43.22 خطوة متقدمة في مسار تحديث المنظومة القضائية بالمغرب.ويهدف إلى تقديم عقوبات بديلة عن العقوبات السالبة للحرية التقليدية مثل:
-العمل الاجتماعي: تنفيذ خدمات ذات منفعة عامة بدلا من السجن.
-المراقبة الإلكترونية: مراقبة الجاني عن بعد باستخدام التكنولوجيا.
-الإقامة الجبرية: تحديد نطاق إقامة الجاني في مكان معين.
تأتي هذه التدابير كأدوات حديثة تهدف إلى إعادة تأهيل المخالفين،مع الحفاظ على الأمن العام وحقوق الضحايا،خاصة في الجرائم البسيطة والمتوسطة.
أهداف القانون وتحديات تطبيقه
يهدف القانون الجديد إلى:
1-تقليل الاكتظاظ في السجون: من خلال تخفيف الضغط على المؤسسات السجنية التي تعاني من أعداد متزايدة من النزلاء.
2- تعزيز إعادة التأهيل: بتوفير برامج تصحيحية تُعين الجناة على التوبة والاندماج الاجتماعي.
3- تطوير العدالة التصالحية: عبر تقديم عقوبات أكثر تناسبا ومرونة مع طبيعة الجريمة وظروف الجاني.
4- الحد من آثار العقوبات السالبة للحرية: التي قد تؤدي أحيانا إلى تفاقم الوضع النفسي والاجتماعي للجاني.
ومع ذلك،يواجه القانون تحديات كبيرة تتعلق بآليات تنفيذه.فقد أكد رئيس النيابة العامة أن تطبيق هذه التدابير يجب أن يتم بحذر شديد،مع مراعاة الضوابط التي وضعها المشرع لضمان عدم إساءة استخدام العقوبات البديلة.
ضوابط وشروط تطبيق العقوبات البديلة
حدد القانون 43.22 عددا من الشروط لتطبيق العقوبات البديلة:
-طبيعة الجريمة: أن تكون الجريمة بسيطة أو متوسطة ولا تشكل تهديدا خطيرا للأمن العام.
– تقييم الجاني: أن يظهر الجاني استعدادا حقيقيا للاندماج في برامج إعادة التأهيل.
-الظروف الشخصية والاجتماعية: أخذ الحالة الصحية والاجتماعية للجاني بعين الاعتبار.
-قبول المجتمع: ضمان وجود بيئة مجتمعية تدعم فكرة العقوبات البديلة.
توجيهات النيابة العامة
في مراسلته،شدد الحسن الداكي على أهمية الالتزام بالدقة والمهنية في تنفيذ أحكام القانون.وأوصى النيابات العامة بالتركيز على النقاط التالية:
1-المتابعة المستمرة للجناة: لضمان امتثالهم للعقوبات البديلة،مثل العمل الاجتماعي أو برامج المراقبة الإلكترونية.
2-تعزيز حماية حقوق الجناة: من خلال ضمان عدم تعرضهم للاستغلال أو المعاملة السيئة أثناء تنفيذ العقوبات.
3-التوازن بين العقوبة وإعادة التأهيل: بحيث تساهم العقوبات البديلة في إصلاح السلوكيات وتحقيق العدالة التصالحية.
4-تنسيق الجهود: بين القضاء، المجتمع المدني والجهات المعنية لضمان نجاح برامج التأهيل.
أبعاد وتطلعات القانون الجديد
يعكس القانون رقم 43.22 توجه المغرب نحو اعتماد ممارسات قضائية حديثة تواكب التطورات العالمية في العدالة الجنائية.ويمثل ذلك تحولا من العقوبات السالبة للحرية التقليدية،التي لطالما ساهمت في اكتظاظ السجون،إلى عقوبات أكثر فعالية ومرونة تسهم في:
-إعادة بناء الثقة بين المجتمع والجهاز القضائي.
-تعزيز فرص الجناة في التوبة والاندماج في المجتمع.
-الحد من العودة إلى السلوك الإجرامي عبر تحسين آليات التأهيل.
متطلبات نجاح العقوبات البديلة
يعتمد نجاح تطبيق هذا القانون بشكل كبير على:
-بنية تحتية قانونية ومجتمعية: تشمل إعداد برامج تأهيلية فعالة.
-تكوين القضاة وأجهزة النيابة العامة: لضمان حسن تنفيذ العقوبات البديلة بما يخدم العدالة والمجتمع.
-تعاون المجتمع المدني: في توفير بيئة داعمة لاستقبال الجناة ضمن برامج العمل الاجتماعي.
-تطوير أنظمة المراقبة: لا سيما في تطبيق العقوبات المرتبطة بالمراقبة الإلكترونية أو الإقامة الجبرية.
يمثل تطبيق العقوبات البديلة خطوة جريئة في إصلاح النظام الجنائي المغربي.ويعكس هذا التوجه رؤية متجددة للعدالة تهدف إلى تحقيق توازن بين حماية الأمن العام وحقوق الأفراد.ومع التحديات التي تواجهها يظل التنسيق الفعال بين مختلف الأطراف المعنية،إضافة إلى تطوير البنية التحتية التشريعية والتنفيذية عنصرا حاسما لإنجاح هذه التجربة الواعدة.
العقوبات البديلة ليست فقط أداة لتخفيف الضغط على السجون،بل هي فرصة لتغيير جذري في فلسفة العقاب نحو إعادة التأهيل والاندماج المجتمعي.