أخبارالرئيسيةفي الصميم

سبع أساطير عن الذكاء الاصطناعي

بات الحديث عن الذكاء الاصطناعي اليوم الشغل الشاغل للمتخصصين و غيرهم، و صار الفضاء العام يعجّ بخطابات متضاربة بين التفاؤل المفرط والتشاؤم المبالغ فيه. إن الذكاء الاصطناعي، بوصفه مفهوماً حديثاً نسبياً، قد حُمل بعبء التوقعات البشرية، وتحوّل إلى نوع من المرايا العملاقة التي تعكس أوهامنا وهواجسنا.

ومن هذا المنطلق، يتضح بداية أن “ذكاء” الذكاء الاصطناعي هو أسطورة يجب فضحها. فالآلة لا تفكر كما نفكر ولا تشعر كما نشعر. و كما قال الفيلسوف رينيه ديكارت: “أنا أفكر إذا أنا موجود” وهذا هو جوهر ما يميز البشر عن الآلات. اما الذكاء الاصطناعي فليس سوى انعكاس مبرمج لتعليمات البشر وخوارزمياتهم. ان المشكلة هنا لا تكمن في ذكاء الآلة، بل في وهمنا بأننا نمنحها وعياً يتجاوز إدراكها البرمجي.

أما الأسطورة الثانية، فهي ان نتصور الذكاء الاصطناعي ككائن مستقل عن الإرادة البشرية. و لعل هذا الفهم يُضفي على الذكاء الاصطناعي هالةً من القداسة تخفي وراءها إرادة المصممين والمبرمجين الذين يتحكمون به. و هنا نعود إلى مقولة جان بول سارتر: < الإنسان محكوم بأن يكون حراً >. فنحن أحرار و نحن الذين نختار كيف نوجه الآلة و ليست هي، وهذا ينفي عنها أي استقلالية أو إرادة ذاتية. و بالتالي فان استقلال الذكاء الاصطناعي ليس إلا قناعاً يخفي سلطة الشركات الكبرى التي تطوره وتوظفه لخدمة مصالحها التجارية.

بقلم/ د. مهدي عامري

وعندما يُقال إن الذكاء الاصطناعي سيسرق وظائفنا، يجب أن ننتبه إلى أن هذا الخوف يعكس افتقارنا إلى فهم أعمق لطبيعة التغيير التكنولوجي. فالتكنولوجيا طالما أعادت تشكيل طبيعة العمل دون أن تجعل الإنسان عديم الجدوى.و إذا كان كارل ماركس قد حذر من الاغتراب في ظل الرأسمالية، فإن تحذيره لا يزال صالحاً الى اليوم : فالخطر ليس في الآلات بل في النظام الاقتصادي الذي يجعل الإنسان جزءاً من عملية الإنتاج بدلاً من أن تكون العملية الإنتاجية في خدمته.

ان الذكاء الاصطناعي قد يسهم في تحرير الإنسان من الأعمال الروتينية، لكن السؤال الحقيقي هو كيف نعيد توزيع هذا التحرر ليخدم الجميع.

و ثمة أسطورة اخرى مؤداها ان الذكاء الاصطناعي يشكل خطراً وجودياً. و هذا التصور يستند إلى خيال مستلهم من سيناريوهات أفلام الخيال العلمي، حيث تثور الآلات ضد صانعيها. لكن الفيلسوفة حنا آرنت تعقب على هذه الفكرة كما يلي : < ان أكبر الشرور في العالم هو ما يُرتكب على يد أناس يرفضون التفكير>.

و من هنا نستنتج ان التهديد ليس في ذكاء الآلة، بل في غياب التفكير الإنساني الواعي الذي يقرر كيفية استخدام التكنولوجيا. إن الذكاء الاصطناعي ليس خطراً بذاته، بل هو وسيلة في يد البشر، تماماً كما كانت النار أو العجلة في يوم من الأيام.

وفي سياق الحديث عن العدالة، تروج أسطورة اخرى حول كون الذكاء الاصطناعي محايدا وخاليا من الانحيازات البشرية. لكن الحقيقة أن البيانات التي تُغذى بها هذه الأنظمة مليئة بالتحيزات الثقافية والاجتماعية. و كما قال ميشيل فوكو: < المعرفة قوة >. و استنادا على هذه المقولة فإن من يتحكم بالبيانات هو من يتحكم بالقرارات، والآلة ليست سوى امتداد لهذه السلطة. لذا، فإن الذكاء الاصطناعي ليس مفتاحاً سحرياً لتكريس العدالة، بل قد يصبح أداة لتكريس الظلم إذا لم تُراجع أُسس بنائه.

هناك أيضاً ميل رومانسي للاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل جميع مشاكلنا. لكن التكنولوجيا، مهما بلغت من تقدم، ليست بديلاً عن الإرادة السياسية. و كما قال أرسطو: < الفضيلة تكمن في الفعل >. و في هذا السياق فإن حل الأزمات الكبرى مثل التغير المناخي والفقر يتطلب قرارات شجاعة وتعاوناً دولياً، وليس مجرد أدوات جديدة. و الذكاء الاصطناعي قد يكون أداة مساعدة، لكنه لن يكون أبداً حلاً بحد ذاته.

وأخيراً، نجد الأسطورة التي تصور الذكاء الاصطناعي كبديل للبشرية، وكأن الإنسان سيصبح عبئاً غير ضروري. لكن هذه النظرة تتجاهل جوهر الإنسانية لانه كما قال مارتن هايدغر: “الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يسأل عن وجوده”. و صحبح ان الذكاء الاصطناعي قد يتفوق على البشر في الحسابات أو سرعة الإنجاز، لكنه لن يستطيع أبداً أن يختبر معنى الوجود، أو أن يُبدع فناً يحمل أثراً شعورياً عميقاً. فالشعر، و تجارب الحب، و الألم، والفرح هي ما تجعلنا بشراً، وهي أشياء لا يمكن برمجتها.

في الختام، إذا أردنا التعامل بجدية مع الذكاء الاصطناعي، فعلينا أن نحرره من هذه الأوهام والأساطير. لماذا ؟ لان الذكاء الاصطناعي ليس كائناً خارقاً ولا تهديداً مميتاً، بل هو أداة تعكس إرادتنا واختياراتنا. و من المؤكد ان التحدي الحقيقي يكمن في كيفية توجيهنا لهذه الأداة: هل سنجعلها وسيلة لتعزيز العدالة والمساواة، أم نسمح لها بأن تصبح مرآة تعكس أسوأ عيوبنا؟

ان هذا هو السؤال الحاسم.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button