كشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات لعام 2023-2024 عن وجود اختلالات كبيرة في نظام مراقبة الصحة العقلية بالمغرب.هذه النقائص تؤثر على قدرة النظام على توفير بيانات دقيقة وشاملة،ما يحول دون صياغة استراتيجيات فعالة أو قياس مدى التقدم في تنفيذ السياسات الوزارية المتعلقة بالصحة العقلية.وأشار التقرير إلى أن آخر دراسة وطنية حول انتشار الاضطرابات العقلية بين السكان أجريت قبل حوالي 20 عاما،ما يبرز الحاجة إلى تحديث البيانات لتلبية المتطلبات المتزايدة في هذا المجال.
عبء الصحة العقلية في المغرب
وفقا لمسح وطني أجري خلال الفترة بين 2003 و2006 وشمل السكان الذين تزيد أعمارهم عن 15 عاما،تبين أن الاضطرابات العقلية تمثل عبئا صحيا كبيرا وتصنف كأحد التحديات الرئيسة للصحة العامة في المغرب. ورغم أن هذا المسح كان نقطة انطلاق لزيادة الوعي بضرورة تحسين الصحة العقلية،إلا أن تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية ظل محدودا بسبب غياب التتبع الدوري والتحديث المستمر للبيانات.
نواقص في التشريعات والخدمات
تشريعات متقادمة: لا تزال الصحة العقلية في المغرب تخضع لنصوص قانونية تعود إلى الظهير الشريف الصادر سنة 1959.هذه القوانين تركز بشكل أساسي على رعاية المرضى في المستشفيات،دون إعطاء الأولوية للوقاية من الأمراض العقلية وتعزيز الصحة النفسية.كما أنها لا تأخذ بعين الاعتبار التطورات الحديثة في الرعاية النفسية،مثل إدماج الرعاية المجتمعية والعلاجات المتنقلة.
• ضعف التنسيق: أشار التقرير إلى غياب إطار حكامة فعال ينسق بين مختلف الفاعلين في مجال الصحة العقلية،مما يؤدي إلى ضعف في تنفيذ البرامج الوطنية وضياع الموارد.
• نقص الموارد: يعاني القطاع من نقص في الإمكانيات المادية والبشرية، ما يحد من قدرة المرافق الصحية على الاستجابة لاحتياجات المرضى النفسيين،سواء على مستوى الوقاية أو العلاج أو إعادة التأهيل الاجتماعي.
تحديات النظام الصحي في الصحة العقلية
• الوقاية والرعاية المجتمعية: رغم أهمية الوقاية وتعزيز الصحة النفسية، لا تخصص النصوص الحالية أو الخطط الوزارية الموارد الكافية لهذه الجوانب.كما أن الرعاية النفسية لا تتكامل مع الخدمات الاجتماعية الضرورية لإعادة تأهيل المرضى وإعادة إدماجهم في المجتمع.
• الوصول إلى الخدمات: خدمات الصحة العقلية محدودة وتتركز في المدن الكبرى،مما يجعل الوصول إليها صعبا خاصة في المناطق القروية والنائية.
• ضعف التتبع: لا توجد آلية فعالة لتتبع وضعية المرضى النفسيين أو تقييم فعالية العلاج الذي يتلقونه.
توصيات التقرير
1. تحديث الإطار القانوني: يجب تطوير القوانين الحالية لتتماشى مع المبادئ التوجيهية الدولية والممارسات الفضلى،مع التركيز على الوقاية وتعزيز الصحة النفسية، وتوسيع خدمات الرعاية المجتمعية.
2. تحسين نظام الحوكمة: وضع إطار حكامة متكامل ينسق بين جميع الجهات الفاعلة في مجال الصحة العقلية،لضمان تنفيذ استراتيجيات فعالة.
3. إجراء دراسات دورية: تنظيم مسوح وطنية دورية لتقييم مدى انتشار الأمراض النفسية، وتوفير بيانات دقيقة تدعم اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
4. تعزيز الموارد البشرية والبنية التحتية: توفير المزيد من الموارد المالية والبشرية، وتوسيع شبكة المراكز الصحية النفسية لتشمل المناطق النائية.
5. إدماج الخدمات الاجتماعية: التركيز على إعادة التأهيل الاجتماعي والإدماج المهني للمرضى النفسيين لضمان استمرارية العلاج وتحقيق التعافي الكامل.
نحو رؤية شاملة للصحة العقلية
تبرز التحديات الراهنة الحاجة إلى استراتيجية وطنية شاملة لتطوير الصحة العقلية في المغرب. يتطلب ذلك تكامل الجهود بين الوزارات والمؤسسات المعنية،وإشراك المجتمع المدني والخبراء لتوفير حلول مستدامة، تضمن جودة الرعاية وسهولة الوصول إليها وتعزز من صحة المجتمع بشكل عام.