الحدث الافريقي- مريم المساوي
ينظم مجلس النواب ومجلس المستشارين في المملكة المغربية، بالتعاون مع مؤسسة “لقاءات المستقبل” ومجلسي البرلمان في جمهورية الشيلي، “مؤتمر المستقبل” في مدينة الرباط، يومي 17 و 18 دجنبر 2024.
ويشكل مؤتمر المستقبلFuturo Congreso تظاهرة فكرية ينظمها كونغرس جمهورية الشيلي، منذ سنة 2011، بشراكة مع العديد من المؤسسات الفكرية العالمية ووسائل الإعلام الدولية، ويهتم، من خلال استضافة شخصيات فكرية وعلمية دولية، بمناقشة التحديات والقضايا الراهنة والمستقبلية للبشرية، حيث يصنف كأهم حدث لنشر الفكر والعلوم الإنسانية بمنطقة أمريكا اللاتينية والكراييب، ومن أهم التظاهرات على المستوى الدولي التي يتابعها الملايين من المهتمين عبر القنوات الدولية والنقل المباشر لفعالياته، حيث ينطلق عمل هذه المبادرة من مبدأ “المعرفة هي محرك تطور وتنمية المجتمعات”.
ويتم تنظيم هذا المؤتمر السنوي بتعاون مع الحكومة الشيلية عبر وزارات رئاسة الجمهورية، والشؤون الخارجية، وأكاديمية العلوم الشيلية، وحوالي عشرين جامعة ومجموعة من مراكز التفكير ومراكز الأبحاث، ومؤسسات ومنظمات غير حكومية ومؤسسات عامة وخاصة.
وقد شارك في النسخ المختلفة لهذا الحدث العديد من المفكرين والعلماء والباحثين والفنانين والمؤثرين من جميع أنحاء العالم، كما يجذب هذا المؤتمر اهتمام المجتمع العلمي العالمي من خلال مشاركة مجموعة من العلماء الحائزين على جوائز نوبل.
ويعتبر المؤتمر فضاء لمناقشة التحديات والإشكاليات المطروحة على الأجندة الدولية ومستقبل البشرية، وقد تطور ليصبح منصة لصناعة الأفكار الكفيلة بدعم القرارات المستقبلية، وبلورة الحلول العملية للتصدي للتحولات الكبرى التي ستعرفها المجتمعات العالمية في المستقبل.
وكان المؤتمر ناقش خلال كل النسخ السابقة مجموعة من المواضيع الإستراتيجية المتعلقة أساسا بالبيولوجيا والاقتصاد ومستقبل السيادة التكنولوجية وعلوم الفضاء والعلوم الإنسانية والسياسية وعلوم الفيزياء والكمياء وتحديات التحولات الرقمية بالعالم، كما تناول التحديات المرتبطة بالتغيرات المناخية والتحولات الحضارية والمجتمعية.
ويتم تنظيم هذا اللقاء في العاصمة سانتياغو والجهات ال16 بالشيلي بشكل متزامن، وهو ما ساهم في توسيع نطاق توطينه الترابي ومن إشعاعه الوطني والإقليمي، وجعل منه أهم لقاء علمي بأمريكا اللاتينية والكراييب، حيث عرفت النسخ ال13 السابقة مشاركة أزيد من 1000 متدخل من الكفاءات الأكاديمية والمفكرين والعلماء البارزين على المستوى الدولي، و240 ألف مشارك بشكل حضوري و8 ملايين مشارك بصيغة افتراضية، تمت تغطية فعالياتها أو التطرق إلى أشغالها ومخرجاتها عبر أزيد من 5000 مقال ونشرات إعلامية.
ويأتي تنظيم هذه النسخة بالمملكة المغربية، في إطار ترويج مفهوم هذه المبادرة داخل القارة الإفريقية، ترسيخا لمكانة المغرب كقطب للتفكير العلمي الرصين في قضايا بلدان وشعوب إفريقيا والعالم العربي، كما تجسد رغبة الجانب الشيلي في عقد هذا المؤتمر بمقر البرلمان المغربي، المكانة المتفردة التي تحظى بها المملكة، سواء داخل إفريقيا أو لدى الاتحادات والتكتلات السياسية والاقتصادية بأمريكا اللاتينية، حيث يعتبر المغرب البلد الإفريقي الوحيد الذي يحظى بعضوية، كعضو ملاحظ، بالعديد من التجمعات السياسية الجهوية والتكتلات الاقتصادية الإقليمية بأمريكا اللاتينية والكراييب، فالمغرب عضو ملاحظ بكل من تحالف المحيط الهادي، وعضو مراقب في نظام التكامل لأمريكا الوسطى (سيكا)، وعضو مراقب دائم بمنظمة الدول الأمريكية، والمغرب عضو ملاحظ بمجموعة دول الأنديز، وتجمعه علاقات متميزة مع دول المركوسور. وعلى مستوى ديناميات التعاون البين – إقليمية، فإن المغرب عضو فاعل في قمة بلدان إفريقيا وأمريكا الجنوبية ASA، وقمة قادة ورؤساء الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، وكذا في القمة الإيبيرو – أمريكية.
وعلى مستوى الاتحادات البرلمانية الجهوية والإقليمية بأمريكا اللاتينية والكراييب، يعتبر البرلمان المغربي بمجلسيه، الوحيد إفريقيا وعربيا، الذي يحظى بصفة عضو ملاحظ دائم لدى كل من برلمان أمريكا اللاتينية والكراييب Parlatino، والبرلمان الأنديني Parlandino وكذا برلمان أمريكا الوسطى Parlacen، ومنتدى رؤساء المجالس التشريعية بأمريكا الوسطى والكراييب Foprel، كما تجمعه مذكرة تفاهم مع برلمان السوق المشتركة لأمريكا الجنوبية Mercosur.
وستتناول هذه النسخة المزمع عقدها بالمملكة المغربية، مجموعة من القضايا الحيوية والمستعجلة، من بينها التغيرات التي تشهدها العلاقات الإنسانية والروابط الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين، وتأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد والمجتمع، وتعزيز السلم والأمن في العالم، وتعزيز التسامح والمساواة بين الجنسين، ومواجهة التحديات الصحية العالمية، والأمن الغذائي، والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة وتغير المناخ والهجرة الدولية، وتعزيز التعاون بين الشمال والجنوب، وإفريقيا كقارة للمستقبل.
محاور المؤتمر
- تحولات القرن الحادي والعشرين في مجال العلاقات الإنسانية والروابط الاجتماعية
ستشهد البشرية قريبا أربع ثورات تكنولوجية متزامنة، هي: الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا النانوية، وتعديل الجينات، والحوسبة الكمومية. ستحدث هذه الثورات تغييرات جذرية في طبيعة الإنسان وحياته، بوتيرة لم يسبق لها مثيل. في القرن الحادي والعشرين، شهدت العلاقات الإنسانية تحولات عميقة بفضل التقدم التكنولوجي المتسارع والعولمة ووسائل الإعلام الرقمية. فقد غيرت الشبكات الاجتماعية والمنصات الرقمية أنماط تفاعلاتنا الاجتماعية، مما أدى إلى ظهور أشكال جديدة من الترابط الاجتماعي جنبًا إلى جنب مع تحديات جديدة تتعلق بالعزلة الاجتماعية وسطحية العلاقات والفجوة بين الأجيال. وقد أثر هذا التغيير بشكل كبير على الديناميكيات الأسرية والمهنية والمجتمعية، مما أثر بدوره على تماسك المجتمع والشعور بالانتماء.
- الذكاء الاصطناعي وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية
يشهد الذكاء الاصطناعي، لاسيما الذكاء الاصطناعي التوليدي، تطورا متسارعا، حيث يكتسب قدرات جديدة تتنافس مع القدرات الإبداعية والعاطفية للإنسان، بل وربما تتفوق عليها. هذا التطور الواسع المدى يفتح آفاقا جديدة في شتى المجالات، ولكنه يحمل في طياته تحولات عميقة في العديد من القطاعات الاقتصادية، بدءا من الصناعة مرورا بالطب وانتهاء بالخدمات المالية. وفي سياق المغرب والبلدان النامية، يوفر الذكاء الاصطناعي فرصا واعدة لتعزيز الكفاءة الاقتصادية وتقليص الفجوات، إلا أنه يثير في الوقت نفسه مخاوف جدية بشأن البطالة الناتجة عن التكنولوجيا والقضايا الأخلاقية المرتبطة باستخدامه. علاوة على ذلك، فإن انتشار الأتمتة واتخاذ القرارات الآلية يطرح تساؤلات جوهرية حول كيفية تحقيق التوازن بين التقدم التكنولوجي والعدالة الاجتماعية.
- السلام والأمن في عالم متشابك
تغذي البيانات المتزايدة المجتمع الرقمي المعاصر، مما يؤدي إلى نشوء ما يعرف باقتصاد الانتباه. تزخر منصات التواصل الاجتماعي بمحتويات مثيرة للجدل، تساهم في استقطاب المجتمعات وتعميق الانقسامات، حيث تنتشر الأكاذيب والأفكار المتطرفة على نطاق واسع. وفي ظل هذا الواقع المتوتر، يعيش العالم في حالة من الشك وعدم اليقين المتزايدين. نشهد صراعات محتدمة على السيطرة على البيانات، فضلاً عن صراعات جيوسياسية تهدد النظام العالمي بأسره. وفي هذا السياق، يتحمل المغرب، بصفته جسراً يربط بين قارتي إفريقيا وأوروبا، مسؤولية كبيرة في دفع عجلة السلام والاستقرار الإقليميين. إنه نموذج يحتذى به في بناء شراكات دولية تعزز الأمن والازدهار على مستوى العالم.
- تعزيز التسامح والمساواة بين الجنسين، فرصة لمستقبل البشرية
لا تقتصر المساواة بين الجنسين والتسامح على كونهما حقين أصيلين للإنسان، بل هما أيضاً من العوامل المحفزة للتنمية المستدامة. إن إشراك المرأة والمجموعات المهمشة في صنع القرار على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية يسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي ويزيد من قدرة المجتمعات على مواجهة التحديات. وفي سياق المغرب، حققت المرأة تقدماً ملحوظاً في مجال حقوقها، إلا أن هذا التقدم يقتضي مواصلة الجهود الرامية إلى ضمان تكافؤ الفرص والقضاء على جميع أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي.
- الصحة: تحد عالمي يتطلب تكاتف الجهود
أبرزت الأزمات الصحية العالمية، مثل جائحة كوفيد-19، والتطورات المتسارعة في مجال التكنولوجيا الحيوية، أهمية تعزيز الأنظمة الصحية على مستوى العالم. إن ضمان الوصول العادل للخدمات الصحية، والاستعداد لمواجهة الأوبئة المستقبلية، ومكافحة الأمراض المزمنة، تتطلب تضافر الجهود الدولية. وفي سياق المغرب، تبرز ضرورة معالجة التفاوتات الإقليمية في مجال الرعاية الصحية، وتعزيز البنية التحتية الطبية، وذلك لضمان رفاهية المواطنين ودفع عجلة التنمية الاقتصادية.
- الأمن الغذائي، رهان استراتيجي في العلاقات الدولية
يشكل سوء التغذية، الذي تجسد أبرز مظاهره في انتشار السمنة، أحد أخطر التحديات التي تواجه صحة الإنسان والمجتمعات على حد سواء. فسوء التغذية يؤدي إلى تفاقم الأمراض المزمنة ويضع أعباء جسيمة على الأنظمة الصحية. وفي ظل التغيرات المناخية وعدم الاستقرار السياسي الذي يشهده العالم، يبرز الأمن الغذائي كأحد أهم القضايا التي تشغل بال المجتمع الدولي. يقع المغرب، بفضل موقعه الجغرافي الاستراتيجي، في قلب هذه التحديات، حيث يتعين عليه مواجهة تحديات إدارة الموارد المائية وتحديث القطاع الزراعي. وفي هذا السياق، يتطلب ضمان الأمن الغذائي تعزيز التعاون الإقليمي والعالمي في مجال التكنولوجيات الزراعية المستدامة والحد من هدر الغذاء، وذلك لضمان حصول جميع البشر على غذاء كافٍ ومغذي.
- التحول الطاقي وآفاقه الاقتصادية والبيئية
يعد الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة ضرورة ملحة لمواجهة تحديات تغير المناخ وتعزيز التنمية المستدامة. وقد برز المغرب كنموذج يحتذى به في القارة الأفريقية في مجال تبني الطاقات المتجددة، لاسيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ويمكن للشراكة بين المغرب وشيلي أن تساهم بشكل كبير في تعزيز جهود الانتقال إلى الطاقة النظيفة على مستوى العالم، مما يساهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتوفير فرص اقتصادية واعدة. ومع ذلك، يتطلب هذا التحول معالجة تحديات عدة، من بينها التكاليف الأولية المرتفعة وعدم المساواة في الوصول إلى التكنولوجيات النظيفة، وذلك لتحقيق أقصى استفادة من هذا التحول.
- تغير المناخ والهجرة: تحديات جديدة وتداعيات عميقة
يدفع تغير المناخ ملايين الأشخاص إلى النزوح القسري عن ديارهم، جراء الكوارث الطبيعية المتكررة وشح الموارد وتدهور الأنظمة البيئية. وفي هذا السياق، يواجه المغرب تحديات كبيرة في إدارة الحركات السكانية الداخلية والاستجابة لتدفقات الهجرة الإقليمية الناجمة عن هذه الأسباب. تسعى هذه المناقشة إلى استكشاف السبل التي يمكن من خلالها تطويع السياسات المناخية والاتفاقيات الدولية والمبادرات المحلية لتلبية احتياجات النازحين وتخفيف الآثار السلبية للهجرة المناخية على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
- التعاون المشترك: نحو علاقات أكثر صحة بين الشمال والجنوب
تعد الشراكة بين قارتي إفريقيا وأمريكا اللاتينية عنصراً حيوياً في بناء نظام عالمي قائم على التعاون والسلام. فمن خلال تبادل الخبرات والمعارف والتكنولوجيات، يمكن تحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل للجميع. ويتبوأ المغرب، بفضل موقعه الجغرافي الاستراتيجي، مكانة فريدة ليكون جسرا بين القارتين، حيث يمكنه الاستفادة من هذه الشراكة لتعزيز التنمية المستدامة في بلاده والقارة الأفريقية. ومن شأن هذا التعاون أن يساهم في بناء علاقات أكثر عدالة وتعاونا مع الدول الأوروبية وغيرها من دول نصف الكرة الشمالي.
- إفريقيا، قارة المستقبل
تُعتبر إفريقيا، بفضل النمو الديمغرافي المتسارع والتحولات الاقتصادية والثقافية التي تشهدها، قارة واعدة بالمستقبل. إن طاقات الشباب، والابتكارات التكنولوجية المتزايدة، والإمكانات الزراعية الهائلة، والمصادر الطبيعية الغنية تجعل من القارة الأفريقية محوراً رئيسياً للتنمية العالمية. ويلعب المغرب، بوصفه بوابة إلى إفريقيا، دورا محوريا في تعزيز التعاون والتكامل بين دول القارة في المجالات التجارية والتكنولوجية والثقافية. وستستكشف هذه الدراسة السبل التي يمكن للمغرب من خلالها قيادة مبادرات إقليمية ودولية تضع القارة الإفريقية في قلب المشهد العالمي.