أخبارالرئيسيةحوار

السفير الكتاني..الجيش السوري ليس خائنا والجزائر طبعت مع المغرب لانهيار اقتصادها

   قال السفير الأسبق ادريس الكتاني “أن انهيار الجيش السوري يرجع إلى تردي الأوضاع الاقتصادية بسوريا وتدني الأجور بشكل غير مسبوق، مع ارتفاع في الأسعار وانسداد الأفق السياسي في سوريا، هو ما عجل برحيل الرئيس بشار الأسد”، مضيفا، “أن الجزائر نفسها كاد أن يعصف بها تردي وضعها الاقتصادي في الثمانينات، وهو ما دفعها إلى التطبيع مع المغرب”، باقي التفاصيل المثيرة في الحوار التالي..

بداية معالي السفير، بصفتك سفير سابق في منطقة الشرق الأوسط أواخر التسعينات ورئيس قسم التعاون الاقتصادي مع البلاد العربية والإفريقية أواخر الثمانينات بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون، كيف تفسرون تطور الأحداث الأخيرة في سوريا ؟

‏ تتبعت عن قرب كباقي المحللين المهتمين بتلك الأحداث، العديد من التعليقات والمقالات والأخبار على معظم القنوات ووسائل التواصل الاجتماعي المختصة.

‏وما استنتجته لغاية الساعة هو أن ظروف إنجاز تلك العملية المفاجئة، أي السيطرة على أربع مدن كبرى دون أي مقاومة تذكر وفي مدة وجيزة، لم تتعد إحدى عشرة يوما، ‏لا يمكن أن تتم إلا في إطار صفقة ما، بين الأطراف الأساسية المعنية، خاصة بين كبار مسؤولي الجيش العربي السوري وممثلي الحركات المسلحة ‏.

هل تم ذلك بدعم أو وساطة أو تشجيع من إحدى الأطراف الخارجية المعنية؟ 

 فبقدر ما أستبعد الكيان الصهيوني وحتى الولايات المتحدة الامريكية، بالرغم ما صرحا به لحفظ ماء الوجه، أرجح أن تكون تركيا على الخصوص هي من مهدت الطريق لهذه الصفقة.

‏‏في إطار هذه الفرضية كيف تفسر اذا تخلي قادة الجيش العربي السوري عن مهامهم في الدفاع عن ‏ ‏النظام الذي خدموه بتفان وانضباط على مدى 60 سنة ؟

على عكس ما ذهب إليه معظم المحللين من تفسيرات جلها تتحدث عن خيانة الجيش، فأنا أقول عكس ذلك، لما راكمته من خلاصات في مواقف شبيهة سابقة .

 كيف تفسرون ذلك معالي السفير؟

أعتقد جازما أن ما حدث بسوريا مؤخرا، إنما هو نتيجة انهيار اقتصادي مدمر في السنين الأخيرة، ترتب عنه تدني في رواتب الموظفين وأفراد الجيش الى مستويات جد، جد هزيلة. أقل مما يمكن تصوره، هذا مع تراجع ملموس في ظروف العيش من خدمات أساسية كغلاء المعيشة ومحدودية الخدمات العامة أهمها التوصل بالماء والكهرباء التي تعاني منه سوريا. 

من أين اهتديت لهذا التفسير؟

مما سمعناه جميعا، ألم يقل لنا رئيس حكومة النظام السابق، أن راتبه لا يتعدى 120 $ وأن متوسط رواتب الموظفين هو في حدود العشرين$؟ ‏

ألم يكن آخر قرار اتخذه ‏بشار الأسد قبل اختفاءه بيوم واحد هو الرفع ‏من ‏أجور ‏أعضاء الجيش بخمسين في المئة، في حين ‏أن الحكومة الجديدة المؤقتة تحدثت عن ‏أربع مائة على الأقل؟

‏ألم يقم النظام السابق مجبرا ‏على تخفيض عدد أفراد الجيش بنسبة ‏غير معقولة خاصة ابان الحرب، ‏مرورا، بحيث تقلص عدد أفراد الجيش السوري من ما يقارب 450,000 الى 150,000؟، ‏مما جعل قانون التجنيد الإجباري يدفع ‏الأغلبية الساحقة من الشباب إلى الهجرة خارج الوطن؟.

‏أعتقد أن هذه الظروف المزرية جعلت معظم القادة، مدنيين عسكريين، مرغمين ‏على فك ارتباطهم بنظام ‏لم يعد قادرا على تمكينهم من الحد الادنى من متطلبات عيشهم رغم انتمائهم لعقيدته القومية عن قناعة لعقود.

لماذا ركزت تفسير ك هذا على الجانب الاقتصادي وهو ما لم يتطرق إليه سوى عدد قليل من المحللين السياسيين والعسكريين؟ 

رغم تكويني العلمي فأنا مهندس دولة، فقد عملت منذ 1966 في الوظيفة العمومية في المجال الاقتصادي، مما جعلني اهتمّ بتأثيراته الجد قوية على الأحداث السياسية والمجتمعية، خاصة تلك التي تحدث فجأة ودون إنذار .

مثلا ؟

مثلا، انهيار الاتحاد السوفييتي في بضعة أيام أواخر الثمانينات، حيث لم يعد هذا النظام العملاق الذي وقف الند للند أمام العالم الغربي في اطار الحرب الباردة لعقود، قادراً على تمويل الخدمات الاعتيادية لشعبه ومتابعة تطوير قدرات جيشه الهائلة نتيجة السياسة العدائية والعقوبات المالية التي فرضها الرئيس “ريكن” آنذاك.

أعطيني مثالا آخر، مما ذكرت عشت ظروفه عن قرب، إذا أمكن ؟

 في أواسط الثمانينات اضطرت الجارة الجزائر إلى إعادة النظر في توجهاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والتخلي إتر أحداث أكتوبر 1988 عن نظامها الاشتراكي الذي جعل القيادة العسكرية على مدى ربع قرن تتحكم في كل مقدرات وآليات الدولة، وتقبل مرغمة بالتعددية الحزبية وبحرية تدخل القطاع الخاص في المجالات الإنتاجية والخدماتية لأول مرة مند استقلال البلاد. 

لقد حدث هذا التغيير المفاجئ والسريع نتيجة تدني مداخيل الدولة في تلك الفترة من صادرات النفط إلى مستويات لم تعد تغطي الحاجيات الضرورية لتسيير الدولة .

علمت هذا من الفاضل المحترم وزير المالية الجزائري آنذاك عندما زارني ببيتي أواخر سنة 1988 في خضم التقارب الغير مسبوق بين بلدينا، المغرب والجزائر، وأوضح لي بحضور الاخ حسن أبو أيوب مدير التجارة الخارجية، أنذاك، بالأرقام الإجمالية ما مفاده أن العجز في تغطية النفقات الأساسية بلغ ذروته لدرجةٍ جعلت الدولة تتخلى عن مسؤلياتها لصالح القطاع الخاص. 

وقد استنتجت من تلك المعطيات أن التقارب المذهل الذي حدث بين رئيسي بلدينا الراحل جلالة الملك الحسن الثاني والشاذلي بن جديد، وإبرام اتفاقية اتحاد المغرب العربي في فبراير1989 بمراكش، إنما هما نتيجة عدم قدرة ضباط الجيش الجزائري تمويل حملات البوليساريو المكلفة، وبالتالي التخلي عن فكرة وضع العراقيل للمغرب كوسيلة ضغط تدفع المغفور له الحسن الثاني لقبول المصادقة النهائية على اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين. تلك الاتفاقية التي لازالت عالقة ليؤمنا هذا. 

أما المثال الثالث فهو يخص بلدنا حيث عاش المغرب أخطر أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث سنة 1983.

ففي شهر يوليوز من تلك السنة المشؤومة التي سجلت وفات الأمير مولاي عبدالله وقبله الجنرال الدليمي في ظروف مشبوهة، لم يعد مخزوننا من العملة الصعبة يغطي إلا بضعة أيام “اقول أيام” من حاجياتنا المستوردة، بدلا من عدة اشهر المعتادة، الشيء الخطير الذي  وضع المغرب  على “اللائحة الحمراء” لدى مجموعة الأبناك ووسائل التمويل الدولية. حدث هذا نتيجة تأخر المغفور له الحسن الثاني في القبول “ببرنامج التكييف الهيكلي” المشهور الذي فرضه صندوق النقد الدولي على المغرب.  وهي الوضعية الخطيرة التي كان لي دور رئيسي في حلها، وفي آخر لحظة، عن طريق الجنرال القادري تغمده الله برحمته الواسعة.

لقد كادت هاته الوضعية المالية الخطيرة الغير مسبوقة، أن تقضي على أمننا الداخلي والخارجي وتحد من تطلعاتنا المستقبلية، لولا الألطاف الإلهية. وسأحكي لاحقا كيف كانت مساهمتي في حل هذا الملف الشائك الذي لم يطلع عليه إلا القلة القليلة من كبار المسؤولين بوزارة المالية تحت القيادة الموفقة لوزير المالية آنذاك السيد عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب حاليا ، أطال الله عمره .

هذه ثلاثة أمثلة قدمتها لأبين خطورة تقهقر الأوضاع الاقتصادية والمالية على استقرار الأنظمة السياسية، مفسرا بذلك ما حدث مؤخرا في دولة سوريا الشقيقة .

وهذا التقهقر يكون عادة إما نتيجة تقلبات في أسعار المواد الاساسية التي ينتجها ذاك البلد (حالة الجزائر والمغرب في الثمانينات) أو نتيجة مقاطعة دولية أو إقليمية لأسباب سياسية (حالة سقوط الاتحاد السوفييتي وسوريا كنماذج).

 طبعا هناك من الدول من استطاعت التأقلم مع هذه الظروف ك “ايران” التي صمدت أمام مقاطعة دولية دامت أكثر من نصف قرن، لكن سوريا لم تستطع الصمود كونها تعرضت في آن واحد إلى مقاطعة من معظم الدول الغربية وإلى مواجهة حرب أهلية مدمرة استمرّت 13سنة، تدخلت فيها عدة دول أجنبية وازنة منها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وتركيا وروسيا وايران بالإضافة إلى أطراف خارجية من ميليشيات وتنظيمات إسلامية مختلفة التوجهات.

ومن المرجح أن يعرف هذا البلد العربي الأصيل تطورات إضافية معقدة على المدى القريب نتيجة تضارب مصالح معظم هؤلاء المتدخلين .

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button