النفط والدبلوماسية: هل تنقذ دولارات الجزائر أم تعمق أزماتها؟+فيديو
في عالم السياسة والدبلوماسية، يُعتبر المال وسيلة فعّالة لتعزيز النفوذ وشراء الولاءات، خاصة عندما يتعلق الأمر بدول غنية بالموارد مثل النفط. دولارات النفط أصبحت أداة تستخدمها بعض الدول لتحقيق مكاسب سياسية، عبر تقديم مساعدات أو استثمارات لدول أخرى مقابل دعم مواقفها في القضايا الإقليمية والدولية. هذه الاستراتيجية، رغم فعاليتها على المدى القصير، تثير تساؤلات عميقة حول استدامتها وتأثيرها على سمعة الدولة ومستقبلها الاقتصادي. فهل يُمكن لدولارات النفط أن تُحقق استقراراً دبلوماسياً حقيقياً، أم أنها مجرد وسيلة مؤقتة لإخفاء أزمات داخلية؟.
في ظل هذه الاستراتيجية التي تعتمد على دبلوماسية “دولارات النفط”، تواجه الجزائر أزمات داخلية كبيرة تنعكس على استقرارها السياسي والاقتصادي. تعاني البلاد من تبعات تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، مما أدى إلى أزمة مالية خانقة، حيث أصبح الاقتصاد الجزائري يعتمد بشكل رئيسي على عائدات النفط والغاز. هذا الوضع دفع الحكومة إلى تقليص الإنفاق العام، وهو ما أثر بشكل مباشر على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، مما أدى إلى تزايد الاحتجاجات والمطالب الشعبية بتحسين الأوضاع المعيشية.
إلى جانب الأزمة الاقتصادية، تعيش الجزائر حالة من عدم الاستقرار السياسي، حيث لا تزال الآثار المترتبة على “حراك 2019” مستمرة، وهو الاحتجاج الشعبي الذي طالب بتغيير النظام السياسي. على الرغم من انتخاب عبدالمجيد تبون رئيسًا للبلاد، إلا أن مشاعر عدم الثقة تجاه الحكومة لا تزال سائدة، والتحديات السياسية لا تزال قائمة، مما يعمق من حالة الجمود الداخلي.
في هذا السياق، يبدو أن الجزائر قد تفرغت بشكل كبير في مواجهات سياسية مع جيرانها، خاصة في ما يتعلق بالملف الصحراوي والعلاقات مع المغرب، على حساب التركيز على حل مشاكلها الداخلية. إذ تواصل الجزائر دعم جبهة البوليساريو في سعيها لتحقيق الاستقلال عن المغرب، وهو ما ساهم في تأجيج التوترات الإقليمية. بدلًا من استثمار الوقت والموارد في معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، تجد الجزائر نفسها في دوامة الصراع السياسي والدبلوماسي، ما يجعلها تخاطر بتوسيع هوة التحديات التي تواجهها.
إن هذه السياسات قد تُحسن من موقف الجزائر على الساحة الإقليمية في المدى القصير، لكن هذا التحول إلى الخارج قد يؤدي في النهاية إلى إضعاف القدرة على مواجهة القضايا الداخلية التي تتطلب إصلاحات عاجلة. في الوقت الذي يتزايد فيه نفوذ المغرب في إفريقيا من خلال استثمارات ضخمة وعلاقات دبلوماسية متميزة، تظل الجزائر محاصرة في أزماتها الداخلية، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت ستحقق استقرارًا حقيقيًا بعيدًا عن الصراعات الإقليمية التي تستنزف مواردها وطاقاتها.
شهدت الجزائر مؤخراً حراكاً دبلوماسياً مكثفاً في القارة الإفريقية في محاولة لاستعادة دورها الإقليمي وتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي. تأتي هذه التحركات في سياق تنافس إقليمي واضح مع المغرب، الذي يحقق نجاحات ملحوظة في تعميق علاقاته الإفريقية، خاصة مع تزايد الاعترافات الدولية بسيادته على الصحراء المغربية.
الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بدأ زياراته إلى موريتانيا للمشاركة في مؤتمر حول التعليم وتشغيل الشباب في إفريقيا، حيث شدد على أهمية التعاون الإقليمي في هذا المجال. تبع ذلك جولة لوزير الخارجية أحمد عطاف، شملت بوروندي وأوغندا، حاملاً رسائل من تبون أكدت على تعزيز العلاقات الثنائية. كما نقلت وزيرة الشؤون الإفريقية سلمى بختة منصوري رسالة مماثلة لرئيس بوركينا فاسو تناولت قضايا التعاون في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
من جهة أخرى، استضافت الجزائر رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، في زيارة أسفرت عن توقيع خمس اتفاقيات تعاون وإعلان شراكة استراتيجية. وتناولت المحادثات بين الطرفين قضية الصحراء المغربية، حيث يتفق البلدان في دعمهما لجبهة البوليساريو، في موقف واضح معادٍ للمغرب.
على الرغم من هذه التحركات، تواجه الجزائر تحديات كبيرة. أولاً، تعاني من ضغوط اقتصادية خانقة بسبب تراجع عائدات النفط، مما يحد من قدرتها على تمويل مشاريع تنموية في إفريقيا. ثانياً، يواصل المغرب تعميق حضوره في القارة من خلال استثمارات استراتيجية ومشاريع بنية تحتية ضخمة، مثل أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، ما يعزز موقعه كقوة اقتصادية صاعدة في القارة.
التحدي الأكبر للجزائر يكمن في قضية الصحراء المغربية، حيث يواصل المغرب تحقيق مكاسب دبلوماسية واضحة مع تزايد الدول الداعمة لموقفه. في المقابل، تعتمد الجزائر على تحالفات سياسية هشة تفتقر إلى الدعم الاقتصادي والتنفيذي على أرض الواقع.
إن التحركات الجزائرية الحالية تبدو كرد فعل على التقدم المغربي، لكنها قد تظل محدودة التأثير إذا لم تُرافق بخطط اقتصادية وتنموية شاملة. في ظل هذا المشهد، يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت الجزائر ستنجح في تعزيز حضورها الإفريقي أم أنها ستظل عالقة في دوامة الأزمات الداخلية والتحديات الإقليمية.
في ظل الأزمات الداخلية التي تعصف بالجزائر، من تراجع اقتصادي وأوضاع اجتماعية متدهورة، يبدو أن الانشغال بالصراعات الإقليمية، خاصة مع المغرب، بات يُثقل كاهل البلاد أكثر من أن يُخفف عنها. الاستثمار في شراء الولاءات بدولارات النفط ومحاولة تعزيز النفوذ الإقليمي على حساب معالجة القضايا الداخلية يعكس سياسة قصيرة النظر قد تؤدي إلى تعميق الأزمات بدلًا من حلها.
إن الأولوية الحقيقية يجب أن تكون في بناء اقتصاد قوي ومستدام، والاستجابة لتطلعات الشعب الجزائري في التغيير والإصلاح، بدلًا من إهدار الموارد في معارك دبلوماسية قد لا تحقق مكاسب ملموسة. الجزائر اليوم أمام خيارين: إما إعادة ترتيب أولوياتها والتركيز على الداخل، أو الاستمرار في لعبة إقليمية محفوفة بالمخاطر قد تعزلها أكثر عن تحقيق التنمية الحقيقية التي تحتاجها بشدة.