الضريبة على المكتنزات النقدية: هل هي خطوة نحو الإصلاح أم إجراء لاثارة الجدل؟
في ظل الأزمة المالية التي يواجهها الاقتصاد المغربي،برزت الحاجة إلى إجراءات جديدة لتعزيز الموارد المالية.من بين هذه الإجراءات جاءت الدورية 735 التي أثارت جدلا واسعا بسبب ما اعتبره البعض تدخلا مباشرا في جيوب المواطنين دون تقديم شروحات وافية.
قبل ستة أشهر،أشار عبد اللطيف الجواهري،والي بنك المغرب إلى أن إجمالي المعاملات النقدية (الكاش) بلغ 403 مليار درهم،محذرا من انعكاساتها السلبية على الاقتصاد الوطني. ومع ذلك لم يوضح مصدر هذه الأموال الذي يعود جزء كبير منه إلى التوفير الشخصي أو ما يعرف اقتصاديا بـ”التكنيز”.
لكن ما غاب عن السرد هو أن هذا التكنيز يمثل “كنزا اقتصاديا خفيا” يمكن للحكومة استغلاله لحل بعض أزماتها المالية.في هذا السياق ظهرت الدورية 735 كمحاولة لجمع الضرائب من المكتنزات النقدية،لكنها أثارت موجة من الغموض والانتقادات.
أبرز النقاط المثيرة للجدل في الدورية
1- الأموال المودعة في الحسابات البنكية
نصت الدورية على فرض ضريبة 5% على الأموال النقدية التي يودعها المواطنون في حساباتهم البنكية لتسوية وضعيتهم الجبائية.ومع ذلك لم توضح الدورية بدقة ما إذا كان الأمر يتعلق بالأموال المكتسبة من أنشطة غير مصرح بها أم بمجرد المدخرات الشخصية.
الأثر المتوقع
هذا الغموض أدى إلى حالة من الهلع، حيث يخشى المواطنون من تداعيات إيداع أموالهم في البنوك.بدلا من تعزيز الثقة في النظام البنكي،قد يدفع هذا الإجراء المغاربة إلى تجنب البنوك،مما ينعكس سلبا على القطاع المالي.
2- الأموال النقدية المكتنزة خارج النظام البنكي
تطلب إدارة الضرائب من المواطنين إيداع مدخراتهم النقدية في البنوك ودفع ضريبة قدرها 5% على هذه المبالغ.
التحديات
• التأثير النفسي والاجتماعي: يعتبر الكثيرون هذه المدخرات “تحويشة العمر”،وفرض ضريبة عليها قد يثير استياء واسعا.
• غياب الثقة في البنوك: شريحة كبيرة من المغاربة ترفض التعامل مع البنوك لأسباب دينية أو اجتماعية، ما يجعل هذا الإجراء مثيرا للجدل.
3- العقارات والمنقولات غير المهنية
نصت الدورية على فرض ضريبة إضافية على العقارات المقتناة سابقا ، رغم أن المواطنين دفعوا الرسوم الضريبية أثناء توثيق العقود.
الآثار المحتملة
• قد يؤدي هذا الإجراء إلى ارتفاع التكاليف الإجمالية للضرائب العقارية لتصل إلى 10%،مما يهدد سوق العقارات بالركود.
• سيؤثر القرار سلبا على المهن المرتبطة بالعقار،مثل التوثيق ورسوم التسجيل.
مخاطر الدورية وتأثيراتها المستقبلية
1- تهديد الثقة في النظام البنكي
بدلا من تشجيع المواطنين على استخدام الحسابات البنكية، قد يدفع هذا الإجراء إلى زيادة ثقافة الاكتناز النقدي والاحتفاظ بالأموال خارج النظام المصرفي.
2- غياب الشفافية والتواصل الفعال
لم تقدم الحكومة شروحات واضحة بشأن تفاصيل الدورية وآليات تنفيذها،مما أدى إلى انتشار التخوفات بين المواطنين.
3- مخاطر قانونية ومالية
عدم الامتثال للدورية قد يؤدي إلى فرض غرامات تصل إلى 37%، وهو أمر قد يزيد من الاحتقان الاجتماعي.
مسؤولية الحكومة والبدائل المقترحة
مسؤولية الحكومة:
• تقديم شروحات واضحة للمواطنين حول أهداف وآليات تنفيذ الدورية.
• ضمان احترام حقوق الأفراد في الاحتفاظ بمدخراتهم دون تدخل غير مبرر.
البدائل الممكنة
• تعزيز الثقة في البنوك من خلال تقديم حوافز للإيداع بدلا من فرض ضرائب.
• إطلاق حملات توعية لشرح فوائد التعامل البنكي على المستوى الاقتصادي والوطني.
• التفكير في حلول جبائية أكثر عدلا وفعالية دون إثقال كاهل المواطنين.
تسعى الدورية 735 إلى جمع موارد مالية تقدر بـ10 مليارات درهم،لكنها تنطوي على مخاطر اجتماعية واقتصادية كبيرة. وفي غياب الشفافية والتواصل الفعال،قد تؤدي هذه الخطوة إلى نتائج عكسية، مما يتطلب من الحكومة إعادة النظر في هذه السياسات بما يراعي مصلحة المواطنين والاقتصاد الوطني على حد سواء.