- مصطفى الفن
نعم ينبغي الاعتراف بأن قضية صفقة “القرن” الخاصة بتحلية المياه، التي فوتها رئيس الحكومة إلى رئيس الحكومة نفسه، أحيت “بعض” النقاش العمومي الجاري حول زواج المال بالسلطة في المغرب..
وبلا شك، فهذا النقاش ولو أنه محدود ويجري على استحياء إلا أنه صحي ومشروع وربما مطلوب أيضا في مشهد وطني كثيرا ما تختلط فيه الحياة العامة بالمصالح الخاصة..
ولأن الخلط هو العنوان العريض لهذه المرحلة المظلمة و”غير السياسية”، فقد نزع رئيسنا في الحكومة بدلة الشخصية العمومية وارتدى بدلة التاجر ليدافع “جهارا نهارا” عن شركاته وعن “هولدينغ” العائلة من قلب البرلمان..
حصل هذا أمام تصفيق جماعي لممثلي الأمة بدت معه الأمة في واد وممثلوها في واد آخر..
وهذه سابقة خطيرة تكاد تذكرنا ربما بتلك “الصفعة” التي وجهتها الشرطة التونسية، ذات سياق إقليمي، إلى خد البائع المتجول محمد البوعزيزي..
طبعا حمى الله الوطن..
لكن الأخطر من ذلك هو أن هذه القضية لم تحظ بردود فعل في مستوى بعدها “الفضائحي” لدى جهات كثيرة كما هو المفترض..
وهذه رسالة أخرى توحي كما لو أن لوبي زواج المال بالسلطة شب عن الطوق وانتقل إلى مرحلة أخرى من “النزعة الافتراسية” بعد أن انتصر ربما على ما تبقى من السلط المضادة..
لكن علينا ألا ننسى الأهم في هذا كله..
والأهم هو أن كل القضايا الكبيرة غالبا ما تبدأ بجزئيات صغيرة..
واحتجاجات الربيع العربي التي أطاحت بأعتى وبأقوى الأنظمة السياسية في البلدان العربية بدأت بمجرد تدوينات قصيرة على “الفايسبوك”..
وفعلا فأن يدافع رئيس حكومة عن أحقية شركاته في الاستفادة من الصفقات الكبرى علانية ومن داخل المؤسسات الدستورية فهذه ليست قضية صغيرة..
إنها “قضية دولة” والتي اجتمعت فيها ربما كل محددات “الكانيباليزم”..
الذي أعرف أن بلدي بلد كبير وعريق.. لكن كم يبدو “صغيرا” عندما تسند فيه الأمور الجادة إلى بعض “الأقزام”..
وظني أن الرهان اليوم في قضية تغول المال بالسلطة ينبغي أن يكون على مؤسسات بعينها..
لماذا؟
لأن هذه المؤسسات هي التي يمكن أن تلعب دور السلطة المضادة..
ولأنها هذه المؤسسات هي المالكة للمعلومة الدقيقة ولأنها هي الحارسة لكل ما هو “استراتيجي” في البلد..
ولأنها أيضا هي المطالبة بإحداث التوازن مع “سلطة المال” التي تتمدد في كل اتجاه..
وإحداث التوازن مع “سلطة المال” يمر بالضرورة عبر دق ناقوس الخطر والدفع في اتجاه تفعيل المبدأ الدستوري الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة..
وسلطة المال وسلطة السلطة إذا كان من الضروري أن تجتمعا فينبغي أن يكون ذلك في ما هو سيادي وفي ما هو وطني تحديدا..
وأنا أقول بهذا لأن أخطر معضلة في أي بلد هو أن تتحول “مافيات” المال والأعمال إلى “بنية موازية” للدولة بصلاحيات تفوق صلاحيات المؤسسات المنتخبة وغير المنتخبة…