في المجمل، يمكن القول، و على مستوى العالم الراهن عموما، و ليس منطقة الساحل و الصحراء فقط، أن الأوضاع السياسية باتت شديدة التعقيد، مشحونة بالتناقضات من جميع الأنماط و الأنواع، بحيث يصعب فك ألغازها و مصادرها و مصائرها، لولا أن هذا هو مظهرها الخارجي فحسب، أما مخبرها الداخلي، فهو أمر آخر تماما، بسيط جدا و سهل الفهم و التوظيف، في أي تحليل قطري أو إقليمي أو عالمي
إن سيدة العالم الراهن، خاصة بعد سقوط الجدار بين الألمانيتين، هي ( أمريكا) و من تم فإنه يجب لفهم أحوال العالم السياسية، يلزم أولا، و كمفتاح للفهم و التحليل، فهم أحوالها هي، إذن طبيعة تناقضاتها الداخلية، و صراعات مكوناتها الإقتصاديةـ الإجتماعية و السياسية
التناقض الرئيس في أمريكا ( و ليس التناقض الأساسي) هو بين المجمعين الصناعيين : الحربي ( أو العسكري) من جهة، و تقف على رأسه قيادة و تدبيرا سياسيا ( CIA) و المجمع الصناعي المدني، و تميل اليوم إلى خدمة مصالحه، المخابرات الخارجية العسكرية، لأنها الأدرى بأخطار الحروب، و ويلاتها على الجميع، و خصوصا على أمريكا نفسها و من تم إقرارها بفشل الرهان على الحروب و التدخلات السياسية، سبيلا للخروج من أزماتها الإقتصادية و الإجتماعية…كما كان الأمر سابقا، و منذ الحرب 2، ثم الباردة… هذا هو معنى الصراع الإنتخابي بين ترومب ( المجمع المدني) و كل من سبقه مباشرة على الرئاسة (أوباما/بايدن) فضلا عن المرشحتين ( كلينتون و هاريس) و هم جميعا مرشحي ( السيئة)
هذه الأخيرة، اشتغلت دائما، على زرع ألغام الحروب، من جميع الأنواع، في جميع المناطق، تبتز بها الدول لشراء الأسلحة أو المواقف السياسية… و/ أو تفجرها، عند الحاجة، في صيغة حرب حدود، أو فتن أهلية… و هذه كانت حالة ( الصحراء الغربية) المغربية، و هي اليوم حالة الساحل و الصحراء، الذي كان خلف معضلة صحرائنا الجنوبية الغربية، لم تكن ليبيا و لا الجزائر، و لا حتى إسبانيا، بل أمريكا ( السيئة) موظفة غباء الآخرين الإستراتيجي، أو انتهازيته أو ضعفه…لخدمة استراتيجيتها الخفية أو بالأقل الملتبسة، الغامضة و المزدوجة و التي توحي لكل طرف في الصراع المصطنع أصلا، أنها معه، أو أنها محايدة حياله؟
نتائج كل ذلك، هي كل مشاكل المنطقة و تصادمات دولها و حروب الحدود في ما بينها و أسوأها كانت صناعة ( بوليزاريو) و تكليف و توريط الجزائر، و منظمة الوحدة الأفريقية و الجامعة العربية و الإتحاد الأوروبي… فيه، لمصلحة استراتيجيتها في منطقة شمال و غرب أفريقيا، تأسيس كيان مصطنع و لقيط، نظير ( إسرائيل) يمنع وحدتها و استقرارها و نموها و دمقرطتها… و أمام صمود المغرب بإجماع كلمته، و الدعم العالمي لقضيته ( صراحة أو ضمنا) العرب/ أوروبا/ روسيا و الصين… و تأسيس ( الإتحاد المغاربي) و الإتفاق الرئاسي بين الشقيقتين على عدم تكرار الإنجرار إلى حرب بينهما، فشل الرهان الإمبريالي الأمريكي، ثم جاء ترومب، و سفيره الشخصي في المملكة، فتم تقاطع مصالح الدولتين، فك لغم حرب الصحراء، أمريكيا، مقابل ما يشبه ( حماية) أمريكية على الصحراء و خيراتها، و مساهمتها في حل جزئي للمسألتين اليهودية و الفلسطينية، و ذلك بإستقبال اليهود العرب( و ليس المغاربة فقط) في المغرب، و نتج عن ذلك توافق استراتيجي بين الدولتين، شمل المشرق ( الخليج، عدا قطر، ظلت مع CIA/ الأردن و مصر) و شمل دول الساحل و الصحراء
يجب التذكير، أن عشرية الفتنة في الجزائر، أحدثت لخبطة في تحالفات الأطلسي مع المنطقة، أهمها تمكن أمريكا من اختراق الجزائر، بما في ذلك جيشها، و إفساد علاقات المغرب مع فرنسا، و من تم تحول موضوع الصحراء من تدبير تاكتيكي جزائري ( حصاة في حذاء المغرب) كما عبر المرحوم بومدين، إلى السقوط في الإختيار الحربي الإستراتيجي لأمريكا ( السيئة) و هذا هو ما يعنيه بالضبط و بالذات، الإنقلاب الذي دبره بتدرج، شنقريحة، على جميع من سبقوه، إغتيالا أو انقلابا أبيضا ( بومدين/بن جديد/ مرباح/بوضياف/ و من كان بينهم) أما بوتفليقة، فنصب بتوافق أطلسي خليجي، بهدف وحيد، هو فرض السلم المدني، و كان شرط الجيش عليه، ألا يمس موضوع الصحراء، و إلا سيكون مصيره مصير الشهيد بوضياف، فاكتفى لذلك بإنشاءات المديح في برقيات تهنئة الملك، في جميع المناسبات؟!
أمريكا ترومب تراهن على المغرب في قيادة المنطقة
و هو أعظم انقلاب استراتيجي مغربي، من الشمال والشرق،
إلى المحيط الأطلسي و أفريقيا، و رهان غربي على المغرب
في هذا المعنى، فإن تبون، و الدستور، و الإنتخابات… في الجزائر، لا وظيفة لها، و لغيرها، في جزائر اليوم، سوى التغطية و التمويه، على التحالف المنعقد بين ( السيئة) و الجيش الجزائري ( شنقريحة) في مواجهة تحالف محمد 6 و الرئيس ترومب، أي عمليا بين نمطين من الحل في الساحل و الصحراء، و كلاهما أمريكي، حرب و فتن و إرهاب قبلي بإسم إسلام جهادي، يستهلك السلاح الأمريكي، و يعرقل نمو و استقلال…المنطقة، و هذا خيار الجزائر الأمريكية، أو فرض سلام أمريكي ( أطلسي) عن طريق وحدة أقطارها، ضمن خطط تعاون و تكامل أطلسية، من جهة، و إسلام محلي( لا عولمي) إحساني-اجتماعي-صوفي…و هذا ما تكلف به المغرب، و تهيأ له سلفا و وقف الملك شخصيا و حضوريا على تأسيسه، و ذلك في غياب طويل على المملكة ( 5 أشهر) صنيع قادة المغرب العظام ( أبوبكر بن عمر، ثم خاصة أحمد منصور الذهبي ) فضلا عن الفقهاء و العلماء و المتصوفة و الزهاد و التجار و الأسر … المغاربة و الأفارقة، نموذج : ماء العينين، و أحمد بابا التمبوكتي، نزيل مدينة مراكش
أمريكا ترومب ( المجمع الصناعي المدني) تراهن على المغرب في قيادة المنطقة ( و هو أعظم انقلاب استراتيجي مغربي، من الشمال والشرق، إلى المحيط الأطلسي و أفريقيا) و رهان غربي على المغرب، في دعمهم لمنافسة دول صاعدة و واعدة في عموم أفريقيا : الصين/الهند/روسيا/تركيا) و قريبا، مصر، و هو انخراط في أفضل و أسلم رهان؟!
أما قادة الجزائر العسكريين عموما، فإن ما يفسر سلوكهم اتجاه مالي، و المنطقة عموما، فهو انخراطهم، في استراتيجية الجناح الفاشل أمريكيا و عالميا، اقصد المجمع الصناعي الحربي، أو العسكري، الذي يبحث عن أسواق (=حروب) لبيع الأسلحة، و الإبادة، لتقليل الأفواه، و التخريب لإعادة البناء…فضلا عن نشر الأوبئة و المجاعات و نشر الفتن و الرذيلة و المثلية و تفكيك الأسر و المجتمعات و الدول و توظيف الدين و التدين إدلوجيا و سياسيا ضدا على مقاصده الأصلية، كما تصنع في فلسطين باليهود و اليهودية، و بالإسلام، في سوريا و المشرق و عموم الأرض، المغربين، الرسمي و الشعبي، يراكمان الإنتصارات، على جميع الصعد و المستويات، ذلك لأنهما يقفان في الموقف السديد و التقدمي و الرابح تاريخيا و راهنا، و حكام الجزائر، اخطأوا الإختيار، ذلك لأنهم يقتصرون، في تدبيرهم ل( السياسة) مع الأشقاء و مع الإخوة و مع الحلفاء و مع الأخصام و الأعداء على ردود الفعل الدفاعية الإنفعالية و القطرية الضيقة، المتخوفة، بل و المتشككة في الجميع تقريبا، بديلا عن سياسة دولة، واثقة، عاقلة، رزينة و متعاونة في إطار الأخوة أو الجوار أو الإتحاد… و مع العالم في إطار التعايش السلمي و التعاون الأممي و احترام المواثيق و القوانين الإنسانية و الدولية…