أخبارالرئيسيةثقافة و فن

ربما في حياة أخرى..

هي حقيقة فاصلة جعلتني أرتعد ارتعاشة المحتضر، حقا لقد بلغ السيل الزبى، ولم يعد من فرصة لتجاوز العتمات،أضطرب كشاة مذبوحة وانا على وشك الرحيل، وفي اعماقي النخرة انغرست سهام كثيرة مسمومة ومذمومة، ولكن ماذا أفعل؟.

لعنات كثيرة لاحقتني طيلة حياتي، ولم اتخلص منها إلا بمعجزة كبيرة، كانت أدعية الوالد والام تبسط لي جسور الخروج من المآزق القاتلة،لكن اليوم لم يعد أحد يتحمل هذا الوضع،حتى الحمامتان فرتا دون سابق إنذار او إعلان.

بقلم/ خالد عبداللطيف

التفكير في الرحيل أيها العزيز على القلب والفؤاد مسألة سابقة لأوانها ،دعني ارحل انا بلاوصية ولاوداع،ربما لم اعد صالحا لشيء ،ربما تحولت الى قمامة او اشلاء متناثرة هنا وهناك،كن متيقنا انني احبك، ولكن الا يمكنك ان تلتمس لي عذرا، عذر المنكوب والمصطدوم، وعذر السقيم الذي نهشته العلل والأمراض فحولتني الى عظام نخرة،حياة صعبة عشتها اختلطت فيها رائحة اليود بالأسرة الباردة والمعقمات الكريهة،وفي تلك الغرف الموحشة تسللت صرخات شابة فقدت امها في مصحات الفزع،فكسرت زجاج مكاتب الاستقبال،واشبكت اظافرها في شعر ممرضة ليست مسؤولة عن إزهاق الارواح وانفلاتها من عالم الحياة…

قرات عبارتك” ربما في حياة أخرى” واعترتني برودة وسقط الكأس من يدي،ألهذه الدرجة تريد ان تستبدل حياتك بحياة اخرى….

أوف لو كنت اعرف ان هذا قرارك لاتخذت لي نفقا في الارض أو سلما في السماء،او اطلب من الله ان يأخذني الى الرفيق الأعلى….بالمناسبة تذكرت الرفيقة..

هجرتني لا لكراهية ولكن هروبا من الفقر،وانا سعيد لأنها وجدت لها حياة آمنة هناك في الضفة الأخرى…لولا تلك الاصفار التي تحتفل داخل عروقي،ومسام جسمي،فارسلت جيوشها من فلول الشحوب،وكتائب الاصفرار،فقيدت كل جموح بداخلي،وأتلفت مزاجي مرة واحدة،فهل تحس بآلامي ام تكتفي بالركض نحو الامام دون تبرير أو تعليل…

لو اطلعت على تلك الاستدعاءات الزرقاء التي كانت تصلني متسلسلة بلا انقطاع مكتوب عليها” الحضور عاجلا لأمر يهمك” لو رأيتها وهي تحلق فوق شعر رأسي الذي غزاه الشيب قبل الأوان،لو رأيت تلك الأقبية التي لفني ظلامها،وخنقتني جدرانها الحمراء….هل تعرف…انني أول شخص يكتب عن الدار الحمراء،التي زارها الكثير من المناضلين ،منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر…

في عز يأسي،وخراب نفسيتي،تسللت كلماتك المسمومة الى قلبي فأردته قتيلا..ربما في حياة اخرى،كان للأسوار طعم غريب ومر…

وكنت دائما اقول ان الصور التي تمر من أمامي….بما فيها من اشباح وكلام غليظ ،وإشارات رنانة،وشارة النصر،لن ترقى إلى تجربة الأسوار،وأسلاك “بوغمغام” وحدهم نزلاء الاقبية المشبعة بالعذاب والابتلاءات من يحق ان نرفع لهم القبعة،اما باقي الكائنات فهي مجرد دمى تكتفي باللعب امام العتبات لاغير،ولاتفتح فمها الا عند طبيب الاسنان….

هل تعرف ماذا قال لي احد المسؤولين يوما” انت بإمكانك أن تسير قطاعا كبيرا،وعقلك يزن بلدا ولكن ماعندك زهر” ساعتها كان حمية النضال قد سرت في جسدي،رفعت اللافتات،وصوري التقطتها العديد من القنوات ووسائل الإعلام..ولا اعرف اين وصلت..كنت في بطن أمك…حين سألني مسؤول :-ماذا تريد؟- اريد الخبز…نظر الي بإستغراب..

وقال لي:- لا اصدق انك تريد الخبز وحده…تذكرت مقاله ماركس:” ليس بالخبز وحده يحيا الانسان.في افتتاح مؤتمر الحزب،تقدمت بقراءة في الورقة السياسة المعدة للمصادقة…كان الرفاق في المؤتمر قد انقسموا الى قسمين،فريق مع فلان،وفريق مع علان..في ظل الازمة،واختلاف اليمين مع اليسار،كتبت بيانا شديدة اللهجة،لايعرف المهادنة،تقدموا بشكايات ضدي…

وقال لهم كبيرهم…لايمكن لشخص وحيد أوحد ان يكتب هذا البيان مهما كانت خبرته وحنكته في عالم السياسة…يصعب الحسم في طبيعة الاشياء يامن يريد العيش في حياة أخرى”زلزلت المدينة يابني،لما كتبت مقالا في الصفحة الأولى” قامت القيامة وتم التحقيق معي…تلك ايام مجد للصحافة المكتوبة…أما اليوم …فكل من هب ودب يحمل قطعة اسفنج مكتوب عليها… صحافة…..في كل مرة تتقدم جهة بشكاية ضدها….ولم يتوقف نزيف هذه الشكايات….وكان عدد الاعداد يتزايد باستمرار،ولم اكن ساعتها لا املك غير دراجة سوداء…كان بإمكاني ان أكون ثريا…فقد كنا قلة في مجال الصحافة… فدخلت إليها نظيف،وخرجت منها نقيا…خرجوا من جمحرهم يابني…كشروا عن انيابهم،ولكن حبال كذبهم كانت قصيرة،تحركت آلات الدمار،وهناك في الجبال فتحت محافظ كبيرة….لكن قطار الفضيلة اختار سكة اخرى…بوركت الكلمات التي تسللت من مقابر الحاخام عكو ليوي،قال لي الزعيم:” رد بالك المقلى حامية،ولكن ماتخاف مادهش” صدر بيان آخر…والجرعة القوية التي كنت تقود بها الصراعات كانت اكبر من هيئة التحرير ومديرها،بل تجاوزته بكثير…اتصل بك رئيس التحرير منفعلا وقال لي:- مالك مع فلان…قلت له: نحن نكتب للحقيقة وليس للحزب والرئيس…ربما في حياة أخرى…كانت لتجربة العشق في فيلا مخملية،وقاعة رقص مغلقة،وسط حديقة سرية ،قالت لي: وناري واش بغيتي تخرج عليا”قفطان ازرق ملكي…بذيوله الساحرة التي تشبه ذيل الطاوس…قلت لها في الغياب:” إن كنت تحبينني ستأتين من الجديدة لكي تحيي معي راس السنة”جاءت..ولم تخلف وعدها…كانت قنينة الويسكي تتوهج بيننا…قلت لها:- اشربي…قالت لي انا لا اشرب…لم تنطلي علي حيلتها..فقد رأيت شفتيها ترتعدان،قلت لها حازما:- اشربي..وبخفة البرق وسرعته كان المشروب في جوفها…شربنا…وسكرنا…ومن السكر…. الجارف…

كان المطر يغني بإيقاع قوي…إنها بداية الليالي…قلت لها:- البسي معطفك…سنخرج لنتجول في هذا البرد القارس تحت وقع المطر…قالت لي وهي مبللة….منفوشة الشعر:- أنت احمق ومجنون…خاتمها الذهبي في يدي….وفي عز الغياب…قالت لي امي:- كل النساء إلا هاته….كانت رفيقتي تأتي بالتمائم وتغمسها في سطل كبير ونستحم بها معا…كنت احمقا اسايرها في كل خططها…تمائم العشق…والقبول والمحبة…وفي سكرة الحب والسحر….تذكرت امي…وفوق ضريح سيدي احمد البوهالي كانت تنجز عن عمليات السحر…كنت مثل جملين واحد عطشان والاخر جيعان كما يقال في لهجتنا العامية….ربما في حياة أخرى…لو تحقق الحلم…لكان لي مسار آخر….كانت تقول لأختها.:- أين هو السبع بو لهواضر…؟ يتبع.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button