“الصحراء الإسبانية“ هو اسم اعتمدته منظمة الأمم المتحدة خلال فترة 1963- 1975، بينما كان يطلق عليها المغرب اسم “الساقية الحمراء ووادي الذهب”. تضمنت مداخلة الدكتورة عائشة البصري تفاصيل كثيرة مهمة، لكن ركزت في تعقيبي على الإطار العام، والذي تضمن أربعة عناصر، وهي باختصار كالآتي:
أولا: الموضوعية
إن الموضوعية التي تناولت بها الدكتورة عائشة هذه المرحلة المفصلية من تاريخ هذه القضية الحساسة أعطتنا صورة واضحة عن هذه المرحلة من مختلف جوانبها التاريخية والسياسية والقانونية مما يسهل على القارئ بلورة موقفه وتصوره الخاص لهذه المرحلة.. فنادرا ما نقرأ مثل هذه الأوراق لأن جل ما ينشر في الموضوع أقرب إلى المرافعات والدفاع advocacy في قالب أكاديمي لصالح هذا الموقف أو ذاك بأسلوب يموه الحقيقة كثيرا أو على الأقل يضببها.
ثانيا: عقدة الأسماء وتعددها
من الإشكالات التي لا تزال تصاحب النقاش حول هذه القضية هو ”جدل تعدد الأسماء“ الذي كما قالت الدكتورة عائشة (يعكس .. تقلبات هذا النزاع المقترن أساسا بسياق الاستعمار الإسباني للأراضي الصحراوية منذ 1884). إن إثارة هذا الموضوع مهم جدا في نظري، وخاصة أن العديد من الباحثين يفسرون الأسماء المتداولة من منطوقها دون الرجوع إلى سياقها التاريخي ومدلولها في القانون الدولي، والذي قد لا يكون له أي بعد سياسي مهم، كما أنه لا زال هناك حرج كبير في المغرب من استعمال عبارة ”الصحراء الغربية“… أظن أن الأكاديميين والإعلاميين المغاربة ينبغي أن يتجاوزوا عقدة المصطلحات، كما كان الشأن مع مفهومي تقرير المصير واللاجئين … يبدو لي أن الدولة متقدمة بخطوات عن الأكاديميين في جرأة التعاطي مع قضية الصحراء، مع استثناءات قليلة جدا.
ثالثا: أرشيف الأمم المتحدة
يحسب للمحاضرة استنادها على أرشيف هيئات منظمة الأمم المتحدة لكشف حقيقة هذه المرحلة المفصلية من قضية الصحراء المغربية… وقد ساعدتها تجربتها المهنية في وكالات منظمة الأمم المتحدة معرفة سبل الوصول إلى هذه الوثائق لاسيما القديمة منها…
رابعا: طبيعة النزاع
فيما يتعلق بطبيعة الصراع ومراحل تطوره الأساسية، ترى الدكتورة عاشة البصري أن مرحلة ما بين 1957 و 1975 -أي ثمانية عشر سنة- هي فترة مهمة لفهم المرحلة التأسيسية للنزاع، ويتم إغفالها دائما من قبل المهتمين بهذه القضية. وقد قسمت الدكتورة عائشة هذه المرحلة إلى حقبتين: حقبة 1957-1965 والتي وصفتها بمرحلة النزاع حول السيادة على “إفني” و”الصحراء الإسبانية”، أما المرحلة الثانية فهي الممتدة ما بين 1966 و1975 والتي أدرجتها ضمن عنوان “من أجل تحقيق تقرير المصير في الصحراء الإسبانية”.
أتفق معها على أهمية فترة 1957 – 1975 لفهم جانبا مهما من طبيعة النزاع، لكن أرى أيضا أن ما بعد 1975 تحولت قضية الصحراء من قضية دولية أو صراع دولي -حسب تصنيف سامي الخزندار للنزاعات الدولية الذي ذكرته الدكتورة عائشة البصري في ورقتها- على اعتبار أن المغرب وإسبانيا دولتان غير متجاورتين (عندما كانت إسبانيا طرفا مباشرا) إلى قضية إقليمية/جهوية regional (دخول معمر القذافي، والجزائر لاحقا)، حيث ستتغير طبيعة النزاع جوهريا…
المهم هو أنه من الناحية السياسية، فإن القضية أصبحت مرتبطة بالنظام الإقليمي الفرعي في المنطقة المغاربية، وخاصة عندما أصبحت الجزائر طرفا فيها. عندما نتحدث عن قضية الصحراء الغربية في وضعها الحالي، فكأننا نتحدث عن قضية أخرى في بنية إقليمية مختلفة وفاعلين جدد نسبيا ورهانات مختلفة عما كان عليه الوضع قبل 1975. لكن بداية النزاع من الناحية القانونية (في إطار منظمة الأمم المتحدة) بدأ فعلا عندما اعترض مندوب المغرب في الأمم المتحدة في 1957 على إدراج إقليم الصحراء ضمن الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي في 1957.
قضية الصحراء الغربية في نظري رغم بعدها القانوني المعقد فهي قضية سياسية بالدرجة الأولى، لذلك تستلزم مسارا سياسيا للحل، وقد صارت منذ 1975 قضية إقليمية وتحتاج إلى حل في الإطار الإقليمي المغاربي.
كان هذا تعقيبا للدكتور سعيد صديقي على محاضرة الدكتورة عائشة البصري بعنوان “بدايات النزاع حول ’الصحراء الإسبانية‘ في الأمم المتحدة؛ 1957-1975“ يوم الأربعاء 20 أبريل 2022 . بدعوة من ”المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات“
رابط المحاضرة:.https://www.youtube.com/watch?v=JRgsVcEOB-0&t=3584s