جوهانسبورغ- حميد أقروط
احتفل المؤتمر الوطني الإفريقي، الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا منذ نهاية نظام الفصل العنصري سنة 1994، أمس الأربعاء، بذكرى تأسيسه الـ 113 وسط غموض يكتنف مستقبله السياسي بعد تراجعه الانتخابي.
وترسم نتائج الانتخابات العامة التي أجريت في 29 ماي 2024 صورة قاتمة لخيبة الأمل المتزايدة للناخبين من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي سجل أسوأ أداء انتخابي له حتى الآن، حيث خسر سيطرته الحصرية على ثلاث ولايات وفقد أغلبيته في البرلمان للمرة الأولى منذ 30 سنة بحصوله على 40 في المائة فقط من الأصوات التي تم الإدلاء بها.
وقد اضطر المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي أضعفته هذه الانتخابات، إلى إقامة تحالفات مع تسعة أحزاب سياسية أخرى من مختلف الاتجاهات لتشكيل حكومة ائتلافية. وكان ذلك بمثابة نقطة تحول من شأنها إعادة رسم المشهد السياسي الجنوب إفريقي.
ومنذ انتخابات 1994، عانى المؤتمر الوطني الإفريقي من سلسلة من الانتكاسات الانتخابية. فقد خسر كيب أولا أمام حزب المعارضة الرئيسي “التحالف الديمقراطي”، ثم تعرض لخسارة كيب الغربية سنة 2006 لصالح الحزب السياسي نفسه بعد ثلاث سنوات.
وفي 2016، فقد الحزب التاريخي السيطرة على الحواضر الثلاث الكبرى في غوتنغ، بينما فقد في 2024 أغلبيته في المقاطعات الرئيسية كوازولو-ناتال، وكيب الشمالية، وغوتنغ التي تضم مدينتي بريتوريا وجوهانسبورغ.
ويقول العديد من المحللين إن الحزب يجب أن يستغل التجمع في استاد مانديلا بارك، في كيب، للتفكير مليا في كيفية استعادته لمجده السابق.
** هل يمتلك حزب المؤتمر الوطني القدرة على عكس منحاه التنازلي ؟ **
في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أبرز المحلل السياسي جوديناف ماشيغو، أنه في الوقت الذي يحتفل فيه الحزب التاريخي بالذكرى الـ 113 لتأسيسه، يتعين عليه طمأنة مؤيديه بخصوص قدرته على عكس منحاه التنازلي.
وشدد على أن “الحزب شهد للتو أسوأ أداء انتخابي له في 29 ماي، وبالتالي ستكون هناك فترة اعتراض”، مشيرا إلى أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي يجب أن يثبت، من خلال اتخاذ إجراءات، أنه قادر على استعادة الدعم ليظل الحزب المهيمن في سياسة جنوب إفريقيا.
وقال ماشيغو أيضا إن رغبة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في استعادة مجده السابق سيتم اختبارها في الانتخابات المحلية للعام 2026. ويعتقد محلل آخر، ديرك كوتز، أن النكسات الانتخابية لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي يجب أن تحتل مكانة بارزة في النقاشات التي تواكب هذه الاحتفالات.
وأضاف في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه “يجب على حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أولا أن يقدم مبررا واضحا لقراره تشكيل حكومة وحدة وطنية”، مشيرا إلى أن تحالف الحزب التاريخي مع حزب المعارضة الرئيسي منذ فترة طويلة، التحالف الديمقراطي، أثار قلقا عميقا داخل الطبقة السياسية، حتى داخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي نفسه.
وفي الواقع، عارض العديد من الحلفاء التاريخيين لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، بما في ذلك الحزب الشيوعي لجنوب إفريقيا، تقارب حزب المؤتمر الوطني الإفريقي والتحالف الديمقراطي. فقد فضلوا أن يتعاون المؤتمر الوطني الإفريقي بدلا من ذلك مع المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية وأحزاب اليسار.
وكإجراء انتقامي، قرر الحزب الشيوعي لجنوب إفريقيا، خلال مؤتمره في دجنبر الماضي، المشاركة في الانتخابات المحلية التي ستجرى في العام 2026 بشكل منفصل عن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي. وقد أدت هذه الحكومة الائتلافية، التي تأسست من دون استشارة شعبية أو تحسيس للناخبين، إلى دفع التحالف الديمقراطي، العدو الإيديولوجي لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، إلى أروقة السلطة. واضطر العديد من أعضاء الحزب، الذين قاوموا هذا التحالف بين المؤتمر الوطني الإفريقي والحزب الديمقراطي، إلى تجرع مرارة هذا القرار.
** تراجع ي عزى إلى عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية **
لكن سقوط حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لم يكن سببه سياسيا فحسب. ويفسر على الخصوص بعوامل اقتصادية واجتماعية تتمثل في معدل بطالة قياسي (33 في المائة)، وتفشي الجريمة، والفساد المستشري، والتهرب الضريبي خلال ولايتي الرئيس السابق جاكوب زوما، والتفاوتات الصارخة.
ولم يسمح النهج المتردد الذي تبناه الحزب في التعامل مع التحول الاقتصادي بتأمين التحرير الاقتصادي للسود، ولا بكسب “التحدي الثلاثي” الذي اعتبره الحزب حاسما.
وفي سنة 2015، اعتبر الأمين العام آنذاك، جويدي مانتاشي، وهو الآن الرئيس الوطني للحزب، أن ” التبجح بالثروة والغطرسة تعد من بين المشاكل التي تواجه حزب المؤتمر الوطني الإفريقي”، مبرزا “تزايد الفجوة الاجتماعية بين القادة والشعب” الذي يفترض أن يكونوا في خدمته.
وبعد ما يقارب عقدا من الزمان، لا تزال هذه “الفجوة الاجتماعية” تتجلى بشكل صارخ في صناديق الاقتراع. ولم تكن النتيجة تباعدا اجتماعيا خلقه الناخبون فحسب، بل طلاق كامل و”حمام دم سياسي”.
ومن الواضح أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، أمام سقوطه الحر وفقدان ثقة أنصاره، لم يعد أمامه خيار، في حين يشير المسار الانتخابي إلى منحى تنازلي. إن إحياء وتحول حزب نيلسون مانديلا، الذي كان الرئيس سيريل رامافوزا يتباهى به دائما، أضحى ضرورة مطلقة.
وبناء على ذلك، فإن الذكرى السنوية الـ 113 لتأسيس حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ليست مجرد طقوس سياسية أخرى، بل إنها لحظة حاسمة للحزب التاريخي وللعديد من مواطني جنوب إفريقيا الباحثين عن مستقبل أفضل.