الصحافي يونس مسكين يكشف حقيقة منع بوعشرين من مغادرة التراب الوطني
إلى علي المرابط: جواب سريع
استيقظت هذا الصباح على رسالة من أحد الأصدقاء، تتضمن مقطعا من شريط فيديو يظهر فيه السيد Ali Lmrabet علي المرابط، متحدثا عني في علاقة بما زعم أنه قرار بمنع توفيق بوعشرين من مغادرة التراب الوطني، داعيا مشاهديه إلى طرح السؤال على… يونس مسكين ههههه.
أشكر السيد المرابط لسببين:
الأول هو أنه جعلني في مرتبة المسؤول القضائي الذي يمكنه أن يكون مصدرا في خبر مثل هذا؛
والثاني أنه منحني فرصة ثمينة للخروج والحديث بشكل علني عن موضوع طالما اصطدمت به في الكواليس والجلسات الخاصة، ويرهقني أحيانا لكونه يجعلني أعود إلى ذكريات أفضلّ نسيانها، في الوقت الراهن على الأقل.
الموضوع وما فيه هو أنني أواجه منذ فترة، وقبل صدور العفو الملكي الأخير الذي أفرج بموجبه عن مجموعة من الصحافيين والمدوّنين، شائعات يروّجها بؤساء ومفترسون معروفون بجشعهم، مفادها أنني تقدّمت بشكاية ضد مالكي جريدة “أخبار اليوم”، وأنني وراء إجراءات قضائية يفترض أنها صدرت في حقهم (لا علم لي بها)، من بينها المنع من مغادرة التراب الوطني.
ولأن الذين يقفون وراء ترويج هذه الشائعات جبناء تحرّكهم الخسة والضغينة والحقد، فإنهم يرفقونها بتوابل من قبيل قيامي ب”انقلاب” كأنني ضابط في جيش إفريقي، وتواطئي مع كائنات فضائية وأخرى أسطورية وأجهزة مخابرات ووو، من أجل الإيقاع بزمرة من الكائنات النورانية التي تحفها الملائكة في حلّها وترحالها.
وقبل أن أوضح ما أعرفه عن هذا الموضوع، ولست متأكدا في الحقيقة أن ما حدث معي مرتبط بأي قرار مفترض بالمنع من مغادرة التراب، علما أنني سأتحدث في حدود ما يسمح به احترام سرية الأبحاث القضائية؛ سوف أفتح قوسا صغيرا:
في لحظة الخلاف الشديد وانقطاع حبل الود، قمت بإجراءات قانونية ضرورية لحماية نفسي، لأنني شعرت بكل صراحة كما لو أنني وسط دوامة لا أعرف بدايتها ولا نهايتها (…)
تقدم صديقي المحامي بإجراءات أمام جهات مختصة، منها المجلس الوطني للصحافة والمحكمة الابتدائية في الدار البيضاء، بشأن علاقتي المهني بالمؤسسة، وقد آثرت شخصيا وبعد مغادرتي المؤسسة، أن أهمل المسارين معا بما يعنيه ذلك من تنازل عن حقوق مشروعة تهم أقدمية أكثر من عشر سنوات ومتأخرات كثيرة أقلّها أكثر من 200 يوم عطلة لم أستفد منها ومسجلة في حسابي بشكل قانوني…
ثم هناك دعوى أخرى رفعتها فور إعفائي من تدبير الشركة المصدرة للجريدة، لأنني أعتبر، بل ومتأكد من ذلك، أن العملية تمت خارج القانون وربما بعد ارتكاب أشياء أتجنب وصفها الآن، وهي معروضة منذ ذلك الحين على المحكمة التجارية في الدار البيضاء، ولم تعقد فيها أية جلسة، ولم أصرّ على تحريكها ولا معرفة سبب تجميدها، إدراك مني أن الموضوع أكبر من أي خلاف ثنائي كيفما كان نوعه أو حجمه، وهذه الدعوى بالنسبة إلي هي مجرد إثبات لمنازعتي في سلامة قرار إعفائي وسحب الصلاحيات مني، وأنا رهن إشارة المحكمة متى ارتأت برمجة هذا الملف ومناقشته.
نغلق القوس،
الموضوع الذي أخمّن أن مروّجي أسطورة وقوفي أنا ومخابرات جزيرة الشاكرباكربن وراء فتح ملف جديد، ويفترض أنه وراء منع أشخاص ما من مغادرة التراب، وهذا كله لا علم لي به إلا ما يروج وقام السيد المرابط بإخراجه إلى العلن، مشكورا..
وأنا صادق في شكري هنا لأنني سبق أن كتبت جزءا من هذا التوضيح لكنني تراجعت عن نشره. وكانت فكرة التوضيح قد ساورتني بعدما راح بعض الأصدقاء يقومون بحسن نية بمحاولة الوساطة ودعوتي للتنازل عن شكاية لم أقدّمها أصلا، فيتراجعون مرددين عبارات الاعتذار والخجل عندما يكتشفون الحقيقة.
أشكر السيد المرابط لأنني شخصيا أومن بالنقاش العمومي والمفتوح في كل ما يهم الرأي العام، ولا أتفق مع ما يردده عليه الكثير من الأصدقاء من تجنّب “المعاطية” والتركيز على العمل ووو،
أعتقد بكل بساطة أن الصحافي الذي يخوض في الشأن العام مطالب بالشفافية والوضوح وقبول الخضوع للمساءلة والنقاش، والمساهمة في تشكيل الرأي العام على أسس سليمة. ولا يمكننا أن نلوم السياسيين والمسؤولين لتكتّمهم وصمتهم ونأتي نحن لنمارس الأمر نفسه…
للي ما فكرشو عجية المفروض ألا يخاف من الخوض في أي نقاش، ومهما كثر اللغط فإن الحقيقة تنجلي في نهاية الأمر، يكفي أن نساهم في بنائها بالمعطيات وتقديم الروايات والرد على التعليقات والتساؤلات، كما هو الحال مع رسالة السيد المرابط اليوم.
فبعدما انتهت علاقتي المهنية بجريدة “أخبار اليوم” بالحيثيات والتفاصيل المعروفة والمنشورة نهاية العام 2020، والتي سرعان ما تلاها توقف الجريدة عن الصدور، اتصل بي مجموعة من الزملاء الذين كانوا يشتغلون في الجريدة، وكلهم صحافيون، ويمكنهم التفاعل معي للتصحيح أو التعقيب أو التدقيق أو التكذيب، وطلبوا لقائي بغرض الاستشارة، علما أنني كنت قد التحقت بتجربة مهنية-بحثية وقررت طي الصفحة والانصراف إلى بناء مسار جديد.
التقيت يزملائي في مقهى بمدينة الرباط، وأذكر أنه كان يوم جمعة وأننا تناولنا طبقا من الكسكس، فأخبروني أنهم قرروا رفع دعوى قضائية ضد مالكي المؤسسة، بناء على معلومات اعتبروها مهمة حول التدبير المالي للمؤسسة، والذي انتهى بانهيارها وضياع حقوق العاملين فيها، داعين إياي إلى الانضمام إليهم في هذه الشكاية.
اعتذرت لزملائي، وقلت لهم أنني خضت معركة كبيرة من أجل حماية الجريدة وضمان استمرارها، وادّعيت أنني مبدئي في مواقفي وألا مصلحة شخصية لي في كل ما قمت به، وأفضّل بالتالي عدم الدخول في صراعات جانبية تسيء إلى معركتي الأصلية التي أترك القسم الأكبر منها للتاريخ، ولدي الكثير مما سأقوم بحكيه.
سألني زملائي بعد ذلك هل يمكنني تقديم شهادتي إذا دعوني إلى ذلك، وهنا أعود إلى تحكيم زملائي أصحاب الشكاية وأدعوهم إلى تكذيبي علنا إذا كان هناك أي تحريف للحقيقة في ما أقول.
قلت لهم حينها أن هذا أمر لا أملك فيه الخيار، الشهادة واجبة إذا طُلبت، وأنا أصلا عازم على تقديم شهادتي للتاريخ، بكل التوثيق والدقة الممكنين، لكن ذلك مؤجل إلى أن يصبح كل ما يجري حاليا جزءا من التاريخ المرتبط بجريدة ساهم في بنائها كل من عمل بها أو إلى جانبها أو اقتنى نسخة منها، ولم تكن قط إقطاعا يملكه نبلاء يوظّفون قطيعا من العبيد.
افترقنا على هذا الأساس، وبعد فترة قصيرة، جاءني اتصال هاتفي وأنا في مكتبي، من رقم ثابت يحمل رمز مدينة الدار البيضاء، أجبت فكان المتحدث ضابط من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، قدم لي نفسه، وقال لي اعتقد أن زملاءك (ذكر بعض الأسماء) قد أخبروك أنهم سيطلبون شهادتك، ونحن نريد الاستماع إليك.
حدّد لي الضابط المتصل يوما معينا، طلبت منه التأجيل لارتباطي ببعض الالتزامات لكنه أصر علي، فوافقت، أو لنقل امتثلت.
حضرت إلى مقر الفرقة في الموعد المحدد، واستغرق الأمر يوما كاملا، من بداية الصباح إلى غاية السادسة مساء تقريبا، حيث أجبت على جميع الأسئلة، انطلاقا مما اطلعت عليه كمدير للنشر، ومشرف على إدارة الفريق وحريص على تماسكه واستمرار عمله رغم العواصف والضغوط وتأخر صرف الأجور… ثم كمسيّر للشركة في السنة الأخيرة من وجودي في المؤسسة… وأكتفي بهذا كي لا أسقط في خرق سرية البحث.
في النهاية، طلب مني ضباط الفرقة تمكينهم من نسخ لبعض الوثائق (…) التي أشرت إليها ضمن أجوبتي، وهو ما تطلّب مني الحضور في يوم آخر، واستغرقت العملية حوالي نصف يوم داخل مقر الفرقة، لإنجاز المحضر القانوني، ثم انصرفت إلى حال سبيلي.
ولأنني أصيل ومن معدن لا يحتاج شهادة من أي كان، اكتفيت بالجواب عما سئلت عنه ضمن مسطرة قضائية، وكتمت الباقي، وهو كثير ومؤلم، وسيأتي أوانه، إلا إذا كان هناك من يستعجل الأمر.
بعد مرور بضعة أشهر، وبعدما كان الأمر قد غاب عن ذهني وكدت أنساه، بدأت أصادف في بعض الأوساط الحقوقية والسياسية والأكاديمية، آثار حملة مسعورة، سأعرف لاحقا أن بعض المعنيين بأقوالي المدونة في محاضر الاستماع، وبقايا أذنابهم، وممن يبدو أنهم واجهوا في التحقيقات بعضا من أقوالي الموثقة في محاضر قانونية، يقفون وراءها.
كنت أضطر في كل مرة إلى التوضيح لبعض الأصدقاء والشخصيات التي أحترمها، حقيقة ما يتم ترويجه من افتراءات وأكاذيب وتلفيقات، وأنني مجرّد شاهد ولم أقدم أية شكاية في الملف، رغم أن التشكي حق مكفول للجميع ولا عيب فيه بتاتا، ولا ينتقص من زملائي الذين بادروا إليه، لولا أن البعض يبحث عن صنع أسطورة جديدة.
خفُت الأمر لفترة، حيث فشلت الحملة بداية الأمر، لكنه عاد مؤخرا إلى الواجهة، إذ يبدو أن هناك من استأنف محاولة تعليق مشاكله المترتبة عن اختياراته وأفعاله وما اقترفه في الماضي القريب والبعيد، على شماعة يونس مسكين.
السيد المرابط،
لاحظ أن توقعك لما سأدلي به من جواب على سؤالك خاطئ تماما، لا يتعلّق الأمر بحقوق قررت المطالبة بها، وإن كان هذا مشروع ومكفول ولا يمكنك لا أنت ولا غيرك مصادرته مني أو من غيري، لكن الواقع أن الأمر يتعلّق بشهادة طُلبت مني بطريقة قانونية وخاضعة للرقابة القضائية، وقدّمتها وما زلت مستعدا لتقديمها بعد أداء القسم إذا ارتأى القضاء استدعائي.
وأخبر السيد المرابط ومن يتابع السيد المرابط من جمهور أقدّر أنه محترم وله كامل القدرة على الفهم والتمييز، أن معطيات شبيهة بما قدّمته في المحضر الرسمي، طُلبت مني قبل مغادرتي الجريدة، من طرف جهة إدارية، فقلت لها إن عليكم موافاتي بطلب رسمي وموقع حتى أجيبكم رسميا وقانونيا، وتوصّلت بالطلب (أحتفظ بنسخة منه)، والذي كان ردي عليه: المعذرة هذا يندرج ضمن السر المهني ولا يمكنني موافاتكم به.
وإذا كان السيد المرابط يعتقد أن حتى من لديهم حقوق تجاه توفيق بوعشرين، عليهم أن يتنازلوا عنها كي لا توظفها “المخابرات” ضده، فإنني أخبره أنني أحترم رأيه، لكنني أختلف معه كليا، لأنني أعتبر الناس سواسية في الحقوق والواجبات، وألا مجال لتحويل الناس إلى أصنام لعبادتها، وأنني أخشى أنك تقع في منطق يصوّر الناس عبيدا لبعضهم البعض، عليهم أن يناصروا “أسيادهم” ظالمين أو مظلومين.
والحال أنني قد أكون أول من خرج بوجه مكشوف ومن موقع الله وحده يعلم شدة الضغط فيه، وذلك يوم السبت 24 فبراير 2018، أي في اليوم الموالي لاعتقال توفيق بوعشرين، وعبر قناة “فرانس24″، لأقول إن هناك تجاوزات وعدم احترام للحقوق وتهديد للجريدة…
بل بقيت وإلى اليوم، أقول وأردد وأصرّ: محاكمة وإدانة توفيق بوعشرين لم تكن عادلة، وتنطوي على استهداف واضح له وللجريدة.
هذا الميزان الذي خلصت به إلى هذا الموقف، وجعلني أطالب بإطلاق سراحه إلى آخر يوم قبل صدور العفو الملكي (…)، هو نفسه الذي يجعلني أرفض تجاوزات وخروقات أخرى، كيفما كان اسم أو صفة أو موقع المعني بها.
وما دام باب البوح قد فُتح، والفضل للسيد المرابط، دعوني أحكي قصة واحدة من بين أخرى عديدة ومتنوعة، لفهم هذا التقدير الذي يجعل المرء ينتصر للمبدأ لا للأشخاص:
بعد فترة من قبولي تحمّل مسؤولية إدارة نشر جريدة “أخبار اليوم”، تلقيت طلبا من بين طلبات كثيرة كانت تقدّم لي باسم مالكي المؤسسة (…) يقضي بطرد صحافي يعمل ضمن هيئة تحرير الجريدة، وحين سألت عن المبرر، قيل لي إنه يردد في المقاهي كلاما يسيء إلى مؤسس الجريدة المعتقل في علاقة بملف محاكمته (لدي صيغة مكتوبة من الطلب وبخط اليد).
قلت حينها للمعنيين بالأمر، اعذروني، لا سلطة لنا على آراء الناس الخاصة، نحن نشتغل وفقا لخط تحريري، يلزمنا في حدود ما ننشر، عدا ذلك لا يمكنني تزكية طرد أي شخص إلا وفقا للقانون وفي حال إثبات ارتكابه لخطأ جسيم…
ولأننا كنا نعيش وسط دوامة من الشائعات والمؤامرات، وكانت تلقى تحت أقدامنا بشكل يومي ألغام نجهل حتى مصدرها أحيانا، وحرصا مني على تأمين التماسك الداخلي للجريدة وحمايتها من البلبلة وفقدان الثقة، قمت باستدعاء الصحافي المعني، وطلبت حضور صحافي آخر ليكون شاهدا باعتباره يتمتع بالوقار والاحترام بين الزملاء، وقله له: لقد تلقيت طلبا بطردك، ولا أريدك أن تعلم بالأمر بالصدفة فتصدم به، وأقول لك من الآن، اعلم أنك لن تتعرض لأي تهديد ما دمت أنا هنا، لأنني وكما كان الحال في طلبات أخرى عديدة، ربطت تنفيذ الطلب برحيلي عن الجريدة، إذن واصل عملك وقم بمسوولياتك ولا تلتفت لشيء.
هل تعلم ماذا سيقع معي السيد علي المرابط؟
سوف يتأثر هذا الزميل الصحافي بالواقعة، وبالفعل تم إبلاغه بشكل غير رسمي أنه غير مرغوب فيه داخل الجريدة (لم يكن وحده معنيا بطلب الطرد) من طرف المالكين، فكان رد فعله أن تغيّر سلوكه في العمل، وبات شبه مضرب، لا ينتج ولا يحضر في بعض الأحيان.
هل ناصرت زميلي ظالما ومظلوما؟
لا السي المرابط، لقد وجدت نفسي في مواجهة مباشرة مع هذا الزميل بعدما فعّلت صلاحياتي لحمله على الالتزام بالعمل، ودافعت عن حقوق المؤسسة المشغلة، وأنجزت في حقه محاضر معاينة رسمية عبر مفوض قضائي، منها محضر معاينة لتدوينات قام بسبّي فيها شخصيا، وبلغ الأمر أن يبعث لي هذا الزميل، وعبر الايميل المهني، صورة “سيلفي” التقطها لنفسه وهو يجلس فوق كرسي مرحاض الجريدة، بعدما علم أنني رصدت غيابه واستدعيت مفوضا قضايا لمعاينته، فالتحق وبعث الصورة من داخل المرحاض كي يقول لي إنك تزعم غيابي بينما أنا في المرحاض!
هل تدرك حجم الإهانة التي واجهها هاد “مسكين” وفاء منه لمسؤولياته وحرصا على مصلحة الجريدة واستمرارها؟
إيوا راه ما قمت به في قضية الشكاية، وقضايا أخرى كثيرة لا داعي لذكرها، مردّه هذا الموقف الذي أصرّ عليه وأواصل الالتزام به:
الحق واحد، ولا يتبدّل بتبدّل الأسماء والألقاب.
والناس سواسية في الحقوق والواجبات،
لا ملائكة ولا شياطين ولا آلهة تمشي بيننا فوق الأرض.