أخبارالرئيسيةثقافة و فن

مراد حبيب الله

(قصة من وحي الخيال، لكنها في معترك واقعنا اليومي؛ دمعة للحزانى، وعزاء للصابرين، وابتسامة كل أب في وجه الحياة.)

بقلم/د. مهدي عامري

رزقت بك وقد بلغت من الكبر عتيا.

مراد.. يا حبيب الله.. يا أجمل هدايا القدر، ها أنذا أشاركك مشاعري المتدفقة مثل الماء المنهمر. كلماتي تعجز عن إيفاء حقها لك، ولكن لعلها تصف لك ولو قليلًا فيض حبي وعظيم امتناني.

رزقني الله بك، وكنت قد جاوزت الستين، وكاد الأطباء أن يجزموا بأن الأمل في الإنجاب قد تلاشى. قالوا لي مرارًا وتكرارًا: “لن تنجب أيها العجوز المكركب… سلم أمرك لله، لا أمل في الإنجاب، فكر في التبني.”

وبدأت رحلتي الطويلة بين عيادات الأطباء، وتخللتها لحظات من اليأس والحزن. كانت حياتي آنذاك مسلسلًا من التردد بين أحد عشر طبيبًا، جميعهم اتفقوا على أن حالتي ميؤوس منها، وأن باب الإنجاب قد أُغلق أمامي.

ولكن جاءت رحمة الله في اللحظة التي فقدت فيها الأمل؛ جاءت بقدومك يا مراد، بأمر من الله، ذلك الأمر المقدس الذي يقع بين الكاف والنون، والذي أخرجني من ظلمات اليأس إلى نور الأمل.

مراد.. اسمك يتردد في صدري بنبضات الحب والشكر.

م.. ر.. ا.. د..

م / الميم يتجسد في محبتي الجارفة لك. تلك محبة لا يمكن للعمر أن يقف في طريقها، هي محبة الأمل المتجدد؛ محبة الرجل الذي رزق بالفرحة بعد طول انتظار. فرؤيتك لأول مرة كانت كفجر يوم جديد، أضاء حياتي بعد عتمة طويلة. وها أنا ذا، وقد نيفت على الستين، أرى نفسي فيك، وأسترجع شبابي المولي، وأستعيد صبيًا يلهو ويركض بين جدران بيته القديم.

ر / وفي حرف الراء تتجسد رحمة ربي ورضوانه؛ تلك الرحمة التي أعادتني إلى الحياة، وأعطتني فرصة ثانية لأعيش دور الأب الذي لطالما حلمت به. عندما أراك تجري في أروقة البيت، تلعب وتلهو، تتساقط وتقوم، كل تلك الحركات البسيطة تملأ قلبي بالفرح. أما عندما تلوث ملابسك أو تسقط أرضًا، فأراك أجمل بكثير مما يمكن أن تصفه الكلمات. نعم، حتى وأنت تعبث بالطعام في الثلاجة، بينما أنا غارق في قيلولتي، أراك مصدر سعادتي وفرحتي.

ا / حرف الألف. في البدء كان الألف، وهو ليس فقط أول حروف الهجاء وأول علامات كتابة الحياة؛ الألف أيضًا إلهامك القوي لي. إنه الإلهام اليومي الذي يمنحني إياه وجودك. فرؤيتك تكبر، ويستوي عودك، وتشب عن الطوق، كالشجرة التي تزداد قوة وجمالًا مع مرور الأيام.. هذا الإلهام يمد قلبي بالطاقة، ويجعلني أرى الكون من خلالك وكأنه قد تخلق من العدم.

مراد.. أنت قطر من الندى، أنت مطر ناعم خفيف، وبانصهارك مع شمس الصباح، تنثر في الأفق ألوان قوس قزح، وتملأ الدنيا بهاء وسحرًا.

د / وفي حرف الدال، أرى أنك دائي ودوائي. نعم، أنت دائي لأن قلبي يتوق دائمًا لرؤيتك، ويتلهف لكل لحظة تجمعنا. وفي نفس الوقت، أنت دوائي لأنك تعيد الحياة إلى روحي، وتمنحني سعادة لا توصف، كما تجعلني أؤمن بأن العمر مجرد رقم، وأن السعادة يمكن أن تولد في أي لحظة برحمة من الله ولطفه.

يا مراد، يا حبيب الله، يا مشكاة روحي، يا نبض الفؤاد، يا هدية الجواد.. حروف اسمك ليست مجرد رموز، بل هي نبضات القلب.. هي شراييني التي تتدفق منها دماء الحب والامتنان. وأنت لم تكن فقط ملاكًا طاهرًا نور حياتي، بل كنت ولا زلت طوق النجاة الذي انتشلني من بحار اليأس، وكنت ولا زلت النور الذي بدد ظلام سنوات وسنوات من الألم والانتظار.

لقد علمتني الحياة دروسًا عديدة، لكن أعظم درس تعلمته كان منك. تعلمت أن الأمل لا يموت، وأن رحمة الله وسعت كل شيء. تعلمت أن الحب يمكن أن يأتي في أي وقت وبأي شكل. تعلمت أن رؤيتك تكبر أمامي هي أكبر نعمة يمكن أن يحصل عليها الأب.

مراد.. يا كنزي الثمين، يا قمري، يا نبراسي… سأظل دائمًا ممتنًا لأنك هدية من الله، ولأني بفضلك عرفت أن الرحمة يمكن أن تحل في أي وقت.

ودعني أعترف لك يا مراد، يا حبيب الله، يا كنزي، يا هبة من الرحمن، أني أحبك حبًا يفوق الوصف، وأن وجودك في حياتي هو أكبر عطية، وأعظم فرحة. فليحفظك المولى لي، وليبارك حياتك، وليغمرها بالسعادة والسداد.

مراد.. لست يا حبيبي وقرة عيني مجرد اسم. حروف اسمك جواهر محفورة في قلبي، ونبض لا يتوقف.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button