ضعف تواصل الحكومة حول تعديلات مدونة الأسرة: غموض رؤية أم غياب إستراتيجية

رغم تكليف الملك محمد السادس للحكومة ووزرائها بالتواصل مع الرأي العام حول مستجدات مراجعة مدونة الأسرة،لا تزال الانتقادات تلاحق حكومة عزيز أخنوش بشأن ضعف تواصلها في هذا الملف الحساس.
فالمدونة،التي ينتظر أن تحدث تغييرات جوهرية تعزز مكانة المرأة والأسرة في المجتمع، تعاني من غموض في مضامين التعديلات المقترحة،الأمر الذي جعل الحكومة عرضة لانتقادات من مختلف الأطراف، بما في ذلك خبراء وأكاديميون.
نقد خبراء لتواصل الحكومة
يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض،عبد الرحيم العلام أن ضعف التواصل الحكومي حول تعديلات مدونة الأسرة يعكس غياب رؤية واضحة لدى صناع القرار أنفسهم.وأوضح في تصريحه لـ”الأيام 24” أن مضامين التعديلات مثل “تثمين عمل المرأة”،ما زالت غامضة وغير مفهومة حتى لدى الوزراء المسؤولين.
وأضاف العلام، أن “المحاور المعلنة غير دقيقة، فمثلا الحديث عن تثمين عمل المرأة يطرح أسئلة عديدة: كيف سيتم التثمين؟ هل ستكون هناك معايير محددة؟ وهل سيتم تطبيقها بالتساوي في جميع المناطق على الرغم من اختلاف الظروف الاقتصادية؟”
العلام تحدى أي مسؤول حكومي أن يقدم تفاصيل واضحة حول هذا الموضوع،مشيرا إلى أن هذا النوع من القضايا يتطلب دراسات ميدانية معمقة،بالإضافة إلى آليات قانونية دقيقة تضمن التطبيق العملي.
الإشكالات العملية
-غياب المعطيات الدقيقة:
العلام أكد أن عملية “تثمين عمل المرأة”تستلزم وجود خبراء متخصصين قادرين على تقييم العمل غير المدفوع الذي تقوم به النساء، خصوصا في المناطق الريفية. وتساءل:
“هل لدينا خبراء مؤهلون في هذا المجال؟وهل يمكن للقضاء الاعتماد على تقييمات موثوقة في حال وقوع نزاعات؟”
-ضعف التنسيق والتوضيح:
من الإشكاليات الكبرى التي تعاني منها الحكومة هو عدم تقديم رؤية موحدة وشاملة حول التعديلات المرتقبة. هذا الغموض يجعل الرأي العام والبرلمان غير قادرين على تقييم مدى جدية الإصلاحات وفعاليتها.
أدوار المؤسسات الأخرى
من جهة أخرى،أشار العلام إلى أهمية دور المجلس العلمي الأعلى الذي أدلى برأيه في مسألة مدونة الأسرة. لكنه أوضح أن رأي المجلس ليس ملزما ، بل يمكن للبرلمان إعادة مناقشة المقتضيات والعمل على تحسينها عبر اقتراح بدائل عملية.
ضعف الرؤية الاستراتيجية
الانتقادات لا تقتصر فقط على الجانب التواصلي،بل تمتد إلى غياب رؤية استراتيجية متكاملة لإصلاح مدونة الأسرة.
-غياب التوضيح حول الأولويات:
لم تحدد الحكومة بوضوح المجالات التي ستشملها التعديلات،مثل النفقة-الطلاق-الحضانة أو غيرها من القضايا الحساسة.
التحديات الاقتصادية والاجتماعية
التعديلات التي تسعى إلى تحقيق المساواة وتمكين المرأة اقتصاديا تحتاج إلى دراسات معمقة حول التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية بين المناطق الحضرية والريفية.
الدور المستقبلي للحكومة
في ظل هذه الانتقادات،تبرز الحاجة إلى:
-إطلاق حملة تواصلية فعالة:
على الحكومة أن تطلق برامج توعوية وشروح للرأي العام حول طبيعة التعديلات وأهدافها.
-إجراء دراسات ميدانية:
ضرورة إشراك خبراء ومؤسسات متخصصة لإجراء أبحاث دقيقة حول القضايا المرتبطة بالمدونة،خاصة ما يتعلق بتثمين عمل المرأة.
-التفاعل مع البرلمان:
يجب على الحكومة تقديم نصوص واضحة ومحددة للبرلمان تتيح مناقشة جادة وشفافة تفضي إلى تعديلات شاملة تخدم مصلحة الأسرة المغربية.
إن ضعف تواصل الحكومة حول تعديلات مدونة الأسرة يظهر غياب استراتيجية واضحة لإدارة هذا الملف الحساس.ومع أهمية هذه التعديلات في تعزيز مكانة المرأة والأسرة، يتوجب على الحكومة تقديم رؤية متكاملة مدعومة بمعطيات دقيقة وإشراك الرأي العام في النقاش، لضمان إصلاح عادل وفعال يعكس تطلعات المجتمع المغربي.