مراحل تطور الصوفية وأبرز أئمتها وتحولها من الزهد إلى الشرك!

كتبت/ حنان الطيبي
الصوفية هي حركة روحانية إسلامية نشأت على أساس الزهد والتقوى، لكنها مرت بمراحل تطور كبيرة أدت إلى اختلاف مناهجها وطرقها، حتى وصلت في بعض صورها إلى الغلو والانحراف، فيما يلي عرض لمراحل تطور الصوفية وأهم أئمتها وكيفية تحولها من الزهد إلى الشرك.
أولا: النشأة وبدايات الصوفية (القرن الثاني الهجري)
ظهرت الصوفية في بداياتها كحركة زهدية داخل المجتمع الإسلامي، وكان أتباعها يركزون على التزكية والتقرب إلى الله بالعبادات والابتعاد عن الدنيا. ويرجع بعض المؤرخين أصل التسمية إلى ارتداء الصوف كرمز للتقشف، بينما يرى البعض الآخر أن كلمة صوفية تعني الحكمة.
أبرز أعلام هذه المرحلة:
- الحسن البصري (ت 110هـ): كان من أوائل الزهاد الذين أثروا في الفكر الصوفي.
- رابعة العدوية (ت 185هـ): اشتهرت بمفهوم “الحب الإلهي” وأثرت في التصوف العاطفي.
المرحلة الثانية هي مرحلة التصوف الفلسفي وتطور الطرق (القرن الثالث والرابع الهجري)، حيث بدأ التصوف يأخذ طابعا فلسفيا وأدخل بعض المتصوفة مصطلحات كـ”الفناء” و”البقاء” و”وحدة الوجود”، متأثرين بالفكر الهندي واليوناني. ، لذلك ظهرت الطرق الصوفية ونظام السلاسل الروحية
أبرز أعلام هذه المرحلة:

- الجنيد البغدادي (ت 297هـ): وضع أسس التصوف السني المتزن.
- الحلاج (ت 309هـ): قال بمفاهيم مثل “أنا الحق” مما أدى إلى تكفيره وإعدامه.
- السهروردي (ت 587هـ): أسس مذهب الإشراق الذي مزج بين التصوف والفلسفة.
ثم المرحلة الثالثة وهي مرحلة الطرق الصوفية والكرامات (القرن السادس إلى العاشر الهجري، وفي هذه المرحلة، تطور التصوف إلى جماعات منظمة لها أتباع ومريدون، وأصبحت الكرامات والطقوس الصوفية ظاهرة شائعة، لتتبلور الطرق الصوفية مثل القادرية، الشاذلية، والرفاعية)
أبرز الطرق وأعلامها:
- عبد القادر الجيلاني (ت 561هـ): أسس الطريقة القادرية وأُحيط بالكرامات.
- أبو الحسن الشاذلي (ت 656هـ): مؤسس الطريقة الشاذلية، التي ركزت على الذكر والتربية الروحية.
- أحمد الرفاعي (ت 578هـ): مؤسس الطريقة الرفاعية، اشتهرت بالكرامات والخوارق.
ثم وأخيرا المرحلة الرابعة وهي مرحلة الغلو والشركيات (من القرن العاشر الهجري فصاعدا)، حيث بدأ التصوف يأخذ منحى خطيرًطا في هذه المرحلة، حيث تم إدخال مفاهيم مثل التوسل بالأولياء، واعتقاد أن لهم تصرفا في الكون، والاحتفال بالمولد النبوي، والتبرك بالقبور، مما أوقع بعض الفرق الصوفية في الشرك.
أهم المظاهر:
الاحتفال بالمولد النبوي: بدأ في العصر الفاطمي.
بناء الأضرحة والتبرك بها: مثل ضريح البدوي والدسوقي في مصر.
عقيدة وحدة الوجود: التي قال بها ابن عربي واعتبرها العلماء انحرافًا عقديًا.
بدأت الصوفية كحركة زهدية، لكنها تطورت حتى دخلتها مفاهيم غريبة عن الإسلام، فأصبحت بعض طرقها تُروج لمفاهيم شركية تتنافى مع التوحيد. وقد حذر العلماء من غلو بعض الصوفية، بينما دعا آخرون إلى إصلاحها وإعادتها إلى أصلها الزهدي الصحيح.
ابن عربي وابن تيمية وغيرهم من العلماء في سياق تطور الصوفية:
في تاريخ التصوف الإسلامي، كان هناك جدل كبير بين العلماء حول بعض الشخصيات التي أثرت في التصوف سواء بالتصحيح والتوجيه أو بالتأصيل لفلسفات أثارت الخلاف، ومن أبرز هؤلاء ابن عربي وابن تيمية، حيث كان الأول من رموز التصوف الفلسفي، بينما كان الثاني من أشد المنتقدين لانحرافات الصوفية.
أولا: محيي الدين ابن عربي (560هـ – 638هـ)
يعد ابن عربي من أبرز الشخصيات في التصوف الفلسفي، حيث أدخل مفاهيم مثل وحدة الوجود والفناء في الله، مما جعله مثار جدل بين العلماء.
أهم أفكاره:
- وحدة الوجود: يرى أن الله هو الوجود الحقيقي، وكل ما في الكون ما هو إلا تجليات له، مما جعل البعض يتهمه بالحلول والاتحاد.
- التأويل الباطني للشرع: حيث يفسر النصوص الدينية تفسيرًا صوفيًا رمزيًا، وهو ما رفضه علماء العقيدة.
- كتابه “فصوص الحكم”: من أشهر كتبه، وقد انتقده كثير من العلماء بسبب بعض العبارات التي فهمت على أنها خروج عن التوحيد.
موقف العلماء منه:
المنتقدون: مثل ابن تيمية، والذهبي، وابن القيم، حيث اعتبروا أفكاره باطلة وخطرة على العقيدة.
المؤيدون: مثل السيوطي، وعبد الوهاب الشعراني، حيث رأوا أن ابن عربي يتحدث بلغة رمزية misunderstood (سوء الفهم).
ثانيا: ابن تيمية (661هـ – 728هـ) ونقده للصوفية
يعد ابن تيمية من أبرز العلماء الذين تصدوا لانحرافات الصوفية، خاصة ما تعلق بالغلو في الأولياء، والكرامات، والتوسل المبتدع.
أهم انتقاداته للصوفية:
- رفض وحدة الوجود: واعتبرها قولا زندقيا يؤدي إلى الإلحاد.
- محاربة الغلو في الأولياء: رفض الدعاء للأولياء وطلب الشفاعة منهم، واعتبر ذلك شركا.
- التفرقة بين التصوف المشروع والمنحرف: أي أنه لم يرفض التصوف كليا، بل أقر بالتصوف المبني على الكتاب والسنة، لكنه هاجم الطرق التي أدخلت بدعا في الدين.
- كتابه “الفتاوى الكبرى” و”اقتضاء الصراط المستقيم”: حيث انتقد فيه الصوفية المنحرفة بوضوح.
ثالثا: علماء آخرون بين مؤيد ومعارض
من المؤيدين للتصوف المعتدل:
الإمام الغزالي (ت 505هـ): دعم التصوف، لكنه ركز على الجانب الأخلاقي والزهد دون الفلسفات الباطنية.
النووي (ت 676هـ): أثنى على بعض المتصوفة المعتدلين، لكنه حذر من الانحرافات.
من المنتقدين للصوفية الغالية:
ابن الجوزي (ت 597هـ): انتقد بعض الممارسات الصوفية في كتابه “تلبيس إبليس”.
محمد بن عبد الوهاب (ت 1206هـ): قاد حركة إصلاحية ركزت على إزالة البدع الصوفية التي اعتبرها منافية للتوحيد.
كانت الصوفية في بدايتها طريقا للزهد والعبادة، لكن دخول الفلسفات والتأويلات الباطنية أدى إلى الانحراف في بعض مساراتها، إلى أصبح البعض من الصوفية من الطريقة الكركدية والتي ظهرت في عصرنا هذا، اصبحوا يعتقدون أن إسم الله هو محمد وأن رسول الله هو مجرد نور وليس خلقا وبشرا من خلق الله، فاللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، كما ان نفس الطريقة تعتقد أن محمد لم يمت وكيف يمت وهو لم يخلق، وقد قال تعالى وهو يخاطب محمد في قوله في سورة الزمر الآية 31 “ إنك ميت وإنهم ميتون” . وبينما كان ابن عربي رمزا للصوفية الفلسفية، كان ابن تيمية من أبرز نقادها، حيث دعا إلى تصوف يقوم على الكتاب والسنة، بعيدا عن البدع والشركيات.