الزياني ..أسد الجبال الذي قاوم جيش الاحتلال الفرنسي
يعتبر محمد بن حمو الزياني، من أبرز رجال المقاومة في التاريخ المغربي الحديث. اشتهر بنضاله المستميت في معركة الهري الشهيرة، التي أباد فيها الكثير من قوات الجيش الفرنسي قرب مدينة خنيفرة في الأطلس المتوسط، وتعتبر هذه المعركة من أكبر الانتصارات العسكرية التي حققها المغاربة خلال مواجهتهم للاستعمار الفرنسي.
ولد محمد بن حمو بن عقى بن أحمد، أو المدعو “أمحزون بن موسى” سنة 1857 بمدينة خنيفرة، وسط عائلة أمحزون الأمازيغية، التي تنتمي لقبيلة آيت حركات، المنتمية بدورها لقبائل زيان الأطلسية.
بعد وفاة الأخ الأكبر “سعيد”، عين موحى أحمو الزياني، و هو دون العشرين من عمره، قائدا على قبائل زيان سنة 1887، غير أن بعض القبائل لم تقبل بتعيينه في منصب “أمغار” (لقب أمازيغي يطلق على شيوخ القبائل)، وذلك بسبب صغر سنه، فانتفضت هذه القبائل ضده، لكنه واجهها بالقوة حتى خضعت له.
وكان موحى أوحمو الزياني، واحدا من القادة المحليين الذين عيّنهم السلطان المغربي الحسن الأول خلال القرن الـ19، لضمان خضوع المناطق المختلفة للحكم المركزي بواسطة قادة أقوياء لهم مكانة واعتبار بين قبائلهم. وكان الزياني بذلك واحدا من رموز السلطة المخزنية المركزية للسلطان، وذلك بدءا من الربع الأخير من القرن الـ19، واستفاد بالتالي من دعم عسكري من جانب السلطان، تمثل في ثلاث مائة جندي، وثلاثة مدافع، لبسط سيطرته الكاملة على قبائل المنطقة.
عرف هذا القائد الأمازيغي بتحدثه اللغة العربية بطلاقة، و بإجادة ركوب الخيل وفنون الفروسية والرماية، خاصة أن المنطقة تعرف بأجود الخيول. بالاضافة الى تميزه بالدقة في اصابة الهدف، و مهارة في الالتفاف على الأعداء في ساحة المعركة.
لم تظهر مقاومة موحا أو حمو الزياني بشكل جلي، إلا في سنوات العقد الأول من القرن 20م، قبل فرض الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912م.
و نجد ان موحا أوحمو الزياني إصطدم بالفرنسيين منذ وقت مبكر، حينما أرسل بعض قواته لمؤازرة قبائل الشاوية ومديونة منذ سنة 1908م. كما خاض معارك طاحنة بزمور وزعير، منها معركة “تافودايت” (أبريل 1912) ببلاد زمور، ومعركة “اكوراي” ببلاد كروان (ماي 1912) جنوب مكناس، ومعركة “الزحيلكة” بتراب زعير، ومعركة “إيفران” بسيدي عبد السلام بتراب بني مطير(يونيو 1912)، ومعركة “وارغوس” (1913) في ناحية وادي زم. كما ساهمت قواته في الدفاع عن القصيبة سنة 1913م، بعدما تحالف مع قائدها موحى أوسعيد.
استعمل رئيس المعسكر الفرنسي في مكناس، الجنرال “هنريس” في البداية أسلوب الترغيب، لاستمالة القائد محمد أوحمو الزياني، فأرسل إليه بوفد يرأسه القائد إدريس أورحو المطيري قائد بني مطير والحاجب. وكان الوفد محملا بهدايا نفيسة وثمينة، ولكنه لم يتمكن من إقناع القائد محمد أوحمو بالاستسلام رغم الوعود المجزية.
كما حاول المقيم العام الفرنسي “ليوطي”، قبل الجنرال “هنريس”، استمالة القائد الزياني بواسطة شخصيات مرموقة في الجهاز المخزني، خاصة الوزير إدريس البوكيلي، وباشا مدينة أبي الجعد الحاج إدريس الشرقاوي، ثم بواسطة أولاد القائد محمد أوحمو في مؤتمر واد زم. لكن تلك المحاولات كلها لم تفلح في رضوخ القائد.
وكان هدف المفاوضات أن ينضم القائد الأمازيغي إلى مشروع الحماية، لكن لم يستطع أي من المبعوثين على إقناعه، وكان جواب موحا أوحمو الدائم هو«لن أرى مسيحيا إلا من خلال فوهة بندقيتي وأصبعي على زناد الرمي»
في 12 يونيو 1914م، دخل الفرنسيون بقيادة الكولونيل هنريس، مدينة خنيفرة بجيش تجاوز عدده ثلاثين ألف محارب، فاضطر القائد موحا أو حمو الزياني إلى إخلائها والاحتماء بالجبال المجاورة للمدينة، فجمع الزيانيين ووحد قبائل الأطلس المتوسط وتحالف مع القبائل الأطلسية المجاورة، فكون جيشا قويا مدربا على الرغم من نقص العتاد والأسلحة والمؤن التي تؤلهم للاستمرار في المعركة مدة طويلة.
ولما علم الكولونيل بوجود موحا أوحمو الزياني بمعسكر الهري مع أتباعه القليلي العدد، استغل ليلة شتاء 13 نوفمبر 1914م، لمباغتة المقاومين داخل مخيمهم بعد أن أباد الأطفال والشيوخ والنساء بدون رحمة.
لكن سرعان ما أصيب قائد الحملة العسكرية الفرنسية بخيبة أمل، حينما فوجئ برد عنيف من طرف المقاومين ليدرك بعد ذلك أنه ألقى بنفسه وبقواته في مجزرة رهيبة ودوامة لا سبيل للخروج منها.
فقد حققت معركة الهري، التي قادها البطل المقاوم موحا أو حمو الزياني برفقة الزيانيين والقبائل المتحالفة، نتائج إيجابية على جميع الأصعدة، لاسيما أنها كبدت المستعمر الفرنسي عدة خسائر تمثلت في مقتل 33 من الضباط و650 من الجنود و176 سقطوا جرحى، فكانت بمثابة فاجعة مأساوية بالنسبة للفرنسيين، حتى قال الجنرال ” كيوم ” “Guillaume” أحد الضباط الفرنسيين الذين شاركوا في الحملة على قبائل الأطلس المتوسط في مؤلفه “البربر المغاربة وتهدئة الأطلس المتوسط” (1939/1912): “لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة” .
وبعد الانتصار المدوي في معركة الهري، انتقل موحى أوحمو الزياني إلى منطقة تاوجكالت، لتعزيز قواته قصد مواصلة هجوماته على الجيش الفرنسي.
وفي سنة 1921، خاض موحى الزياني، إلى جانب أبنائه، أشرس معاركه ضد فرنسا، وهي معركة “أزلاك نتزمورت” بجبل تاوجكالت، حيث ظل يناضل إلى أن استشهد يوم 27 مارس 1921.