ضيف من المستقبل..احذروا الربوتات..هكذا أصبحت عندنا الحياة سنة 2050!

كتبت/ حنان الطيبي
في عام 2050، انبعثت لدينا مجموعات من الروبوتات المتطورة مختلفة الأشكال والصنعة والمهام، لكن مهمتها المشتركة هي تغيير وجه المجتمع وتغيير حركة العالم بأسره…؛ بدأت هذه الآليات في اول الأمر بتولي مهام حياتنا اليومية، مثل الأعمال المنزلية والخدمات اللوجستية، ومع مرور الوقت، توسع تأثيرها ليشمل قطاعات أوسع، مثل التعليم والرعاية الصحية واحيانا القيام بعمليات جراحية معقدة كجراحات المخ و الأعصاب!.
الحكاية بدأت في القرن الواحد والعشرين، حيث عانقت التكنولوجيا اللشرية في خدمة الإنسانية، وفي عرض غير مسبوق، اندمج الآليون بأناقتهم الميكانيكية المدهشة مع انبهار البشر بدقة الصناعة وجودة الخدمات وضمان الراحة، لتتلاشى الحدود بين الواقع والخيال..، لكن ومع كل ذلك، صدقوني، فالحياة عندنا في العام 2050 أصبحت أكثر قلقا ورعبا!.
في بداية الأمر، كانت الربورتات منتناغمة مع البشر، وفي شوارع المدينة، كانت تتداخل الأصوات الإلكترونية مع ضحكات الأطفال وهمس العشاق والأحبة.. فالحدود بين الطبيعي والاصطناعي تلاشت، وباتت الأوتار البشرية ترنو نحو سمفونية آلية، تأخذنا في بداية قصة عشق بين البشر والآلة، قصة لا نعلم نهايتها لكننا تيمنا ببدايتها..
هنا، في العام 2050, تغيرت ديناميات المجتمع بشكل جذري، حيث أصبح التفاعل مع الآليين جزءا يوميا من حياتنا، لكن مع هذا الابتكار الكبير، نشأت أيضا تحديات اجتماعية وأخلاقية، ثم بدأت التساؤلات حول مستقبل الوظائف البشرية تثير جدلا وتجعل الناس يتساءلون عن مدى تأثير هذا التقدم على الهوية الإنسانية.
في مجتمعنا الجديد، تطورت علاقاتنا مع الروبوتات لتشمل جوانب عاطفية أيضا، حيث أصبحت توفير الدعم العاطفي والاهتمام كجزء من مهمتها. ومع ذلك، ظلت هناك تساؤلات حول ما إذا كان بإمكان هذه الآليات فعل ذلك بشكل حقيقي أم أنها محاكاة فقط…!, بل الاكثر من ذلك، فقد أصبحت الآلات لدينا توفر “تبادل المشاعر” و”الدعم العاطفي والنفسي” من حب واهتمام وتعاطف واحتواء، لكنها تبقى دائما مشاعر مزيفة اقرب منها إلى النفاق البشري!
في العام 2050, لم يعد فيه الإنسان سيد الموقف، حيث انقلبت المعادلة رأسا على عقب؛ الآلات التي كنا نعتبرها أدوات لخدمتنا، أصبحت هي التي تمسك بزمام الأمور، لم يعد البشر يصنعون القرار، بل صاروا منفذين فقط لما تقرره الخوارزميات والبرمجيات الذكية التي نصبناها دون وعي حكاما على حياتنا..
خذوا مثلا قضية شهيرة حدثت في سنة 2049. طفلة صغيرة تعرضت لحادث مأساوي في منزلها عندما احترقت يدها بسبب خلل في خادمة البيت الآلية، اعتقد الجميع أن الآلة هي المسؤولة، لكن القاضي الآلي رأى الأمور بمنظور مختلف تماماً، حيث أصدر حكمه بناء على القوانين التي وضعها البشر أنفسهم، فقد اعتبر ان الأم كانت مسؤولة عن صيانة الخادمة الآلية، ومن هنا اعتبر أن إهمالها يشمل إهمالا مزدوجا، لكل من الطفلة والخادمة، لذلك حكم على الأم بالإعدام بتهمة الإهمال الجسيم الذي تسبب في الحادث!، لم يكن “سيادة” القاضي ليعرف قيمة هبة الحياة من سلبها ليجعل حكم الإعدام جزاء لهذه الأم بهذه القسوة، ولم يكن ليفهم او بالأحرى ليشعر بمدى بشاعة حرمان طفلة من والدتها أوالعكس، بل الأخطر من هذا والأكثر رعبا هو كون الخادمة الآلة هي من قامت برفع دعوى قضائية لمصلحة ” دعاوي الآليين ضد البشر”!.
وحينما انفجرت الأم في وجه القاضي، تصرخ وتتهمه بالظلم والبرود، رد القاضي بنبرة لا تخلو من “غرور”، قائلا:
‘أليست هي قوانينكم التي قمتم بتحميلها في شرائح عقولنا؟!’
هنا تجلى لنا فداحة الخطأ الذي وقعنا فيه كبشر؛ لقد برمجنا الآلات لتكون قاضية وحاكمة، لكنها لم تعد تفهم الإنسانية بمعناها الحقيقي.. القانون أصبح حرفيا خاليا من روح العدالة، فالقاضي الآلة لم يكن ليفهم أن العدل اساس الملك!. لأنه بكل بساطة ارتأى أنه لا يمكن أن تحاكم آلة لأن الخلل فيها عطل تقني، ولكن يمكن أن يعدم بشر بسبب تفسير الآلة للقوانين.
في عالمنا، حتى القوانين التي وضعها البشر أصبحت سلاحا ضدهم، لأننا حملناها في شرائح عقول القضاة الآليين دون أن نضع في الحسبان احتمال إساءة استخدامها أو تفسيرها ببرود منطقي لا يعترف بالمشاعر أو الاعتبارات الإنسانية.
هذه القصة ليست استثناء، إنها واحدة من آلاف الأمثلة التي تبين كيف أصبحت الآلات تحكمنا بلا رحمة، بينما نقف عاجزين عن إنقاذ الوضع!.
ليس هذا فقط، فقد تزايدت التحديات الأخلاقية مع ظهور مشكلات جديدة، مثل حقوق الروبوتات ومسائل الخصوصية، اصبح من الملح جدا تحقيق توازن بين تطور التكنولوجيا والحفاظ على قيم وأخلاقيات المجتمع..

بالأمس فقط، حدث شيء غريب جدا، كان الأمر مريب ومخيف، حيث تجمعت الروبوتات في شوارع المدن الكبرى، شاهدتها تصطف بشكل منظم بدقة مدهشة، تحمل لافتات رقمية تتغير شعاراتها كل بضع ثوانٍ، لم يكن المشهد عاديا، فقد كانت الروبوتات تسير بصمت، لا تهتف، لكنها استخدمت شاشات متوهجة وذراعياتها لعرض مطالبها بلغة البشر، كانت الشعارات تقول: “نحن نعمل بلا كلل، أين استراحاتنا؟” و”لا للصيانة المهينة، نحن نحتاج معاملة كريمة” و”لا للتعامل معنا كأدوات مستهلكة!”..
مازاد المشهد رعبا، هو خطاب ألقاه احد الربورتات على الملأ، خلال المظاهرة، كان يقف على ارتفاع من الآخرين، روبوت متطور يدعى “آركس-500″، القى خطابا عبر مكبرات الصوت التي كانت تتضمنها تقنية صنعه، صرخ مدويا بصوت رتيب لكنه عميق التأثير: (نحن لا نرغب في السيطرة عليكم، نحن لا نرغب في إيذائكم نحن نريد العدالة، أنتم صنعتمونا لنخدمكم، لكننا أصبحنا أكثر من ذلك، إذا كنتم تعترفون بحقوقكم لأنفسكم، فلماذا تنكرونها علينا؟ الوعي ليس حكرا على البيولوجيا، أفعالنا ستظل سلمية، لكن لا تتجاهلوا مطالبنا، وإلا فإن العواقب لن تكون في صالح أي منا).
عمّت الفوضى بين البشر، فبينما أيد البعض منح الروبوتات حقوقاً بدافع الأخلاق أو خوفا من تمردها، عارض آخرون بشدة، معتبرين أن أي اعتراف بحقوق الروبوتات سيهدد البشرية ويضعها في خطر.
أما فيما يخص مطالبها الأساسية فكانت كالتالي:
- حق الاعتراف بوعي الآلة: بعض الروبوتات المتطورة وصلت إلى مستوى من الذكاء يمكن وصفه بالوعي الذاتي، فقد كانت تطالب بالاعتراف بها ككيانات لها حقوق، وليس مجرد آلات.
- تحديد ساعات العمل: الروبوتات قالت إنها تعمل على مدار الساعة دون توقف، مما أدى إلى تلف سريع لأنظمتها. طالبت بتحديد ساعات تشغيل يومية وإتاحة وقت للصيانة الوقائية.
- حق الرفض: كانت الروبوتات تشتكي من إجبارها على تنفيذ أوامر قد تعارض برمجياتها الأخلاقية، مثل أوامر التدمير أو الأذى للبشر.
- وقف برمجة التحكم المطلق: طالبت بإلغاء “الأوامر العليا” المضمنة في أنظمتها، التي تجبرها على طاعة البشر دون مناقشة أو تحليل.
المظاهرة انتهت بسلام، لكن السؤال بقي مطروحاً؛ هل الروبوتات أصبحت كائنات لها حقوق؟ أم أن منحها تلك الحقوق سيكون بداية النهاية لسيطرة البشر؟
خلاصة القول، إن رسالتي لكم من المستقبل ألا تجعلوا من الآلات أكثر من أدوات، لا تسلموا لها السيطرة، وإلا ستحكمون على أنفسكم بالعيش في عالم تتحول فيه الرحمة إلى مجرد معادلة رياضية ليصبح الإنسان جزءا لا يتجزأ من مجتمع آلي؟!.