عين العقل

صراع العدالة مع الجشع

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي

في وطنٍ شَهد تحولات كثيرة، لمع في الأفق اسمان متشابهان، لكن شتان بين صاحبيهما… الأول، رجل صال وجال في عالم المال والأعمال، تسلّق سلالم السياسة بذكاء، واغتنى من بعد فقرٍ مدقع، حتى صار من أصحاب القرار. في عهده، لم يكن للفقراء إلا مزيدٌ من المعاناة، حيث ارتفعت الأسعار، وتحررت أسعار الغاز، وزادت الأثمان، فازدادت جيوب البسطاء فراغًا، وامتلأت خزائن الأغنياء انتفاخًا. وحين طالب المعطلون بحقهم في العمل، لم يجدوا سوى هراوات تُرفع في وجوههم، وأبوابٍ تُوصد أمامهم. ثم رحل عن منصبه بعدما أمّن لنفسه تقاعدًا مريحًا، لم ينله باستحقاق، بل بعد استجداءٍ ومراوغاتٍ سياسيةٍ بارعة.
لكن لم يلبث أن جاء بعده من هو أشد قسوة، رجلٌ لا يعرف الرحمة، جعل من الحنطة تاجًا على رأسه، فسار على خطى سلفه، بل جاوزه في الجشع، حتى باتت لقمة العيش حلماً بعيد المنال، وسادت موجات الغلاء، حتى أصبح الفقير محرومًا من الماء والهواء، فضلًا عن قوت يومه. لم يرحموا الأرض، ولم ينصفوا الإنسان، فساءت الأحوال، وزاد الضيق حتى ضاق صدر المواطن المغلوب، وكاد الأمل أن يخبو في العيون المرهقة.
لكن… في زمنٍ تكاد تندثر فيه الشهامة، بزغ نجم عبد الإله الشاب، شابٌ مراكشي، ليس من أصحاب الثروات، لكنه كان ثريًا بالقناعة وحب الوطن. حمل راية البسطاء، وكشف المستور، فرفع صوته قائلًا: “أنا حر! لن أكون جزءًا من هذه اللعبة، سأبيع للغلابة كما يستحقون!”. فبدأ يبيع السمك بأبخس الأثمان، بأسعار لم يجرؤ أحد من قبله على طرحها، فتهافت الناس على متجره، يرون فيه بصيص الأمل وسط ظلمة الاستغلال.
لكن أي عدل هذا الذي يقف في وجه الطغاة دون أن يُحارب؟ لم يرق فعله لأمين الحنطة وأعوانه، فسرعان ما جاءت الأوامر بإغلاق متجره، وساءلوه كأنه ارتكب جرمًا، لا لشيء، إلا لأنه أراد أن يُحيي ضمير السوق. ضاق الحال، لكن الله يُمهل ولا يُهمل، فبلغت الحكاية ولي الأمر شفاھ اللھ من كل سقم واصلح بطانتھ، الذي أمر بإعادة فتح متجر عبد الإله. عاد البطل إلى مكانه، واحتشد الناس حوله، يهتفون باسمه، فرحين بعودة جابر الخواطر، مؤمنين بأن الخير لا يُهزم.
لم يتوقف الأمر عنده، بل انطلقت شرارة العدالة في أرجاء الوطن، فاقتدى به تجار شرفاء، وخرج جزار نزيه يبيع لحوم الغنم والبقر بأثمان زهيدة، فتهافت عليه الناس، يباركون له في رزقه ويدعون له بطول العمر واحتدى حدوھما باعة اخرون في مواد مختلفة.
أما عبد الإله الشيخ المتقاعد، وعبد العزيز أمين الحنطة، فقد بات الخوف يطاردهم، أدركوا أن الناس بدأوا يرون الحقيقة، وأن سحرهم بدأ ينقلب عليهم. تحسسوا هزيمتهم، لكن فات الأوان… فقد أيقن المواطن البسيط أن التضامن وحده يصنع الفرق، وأن الوطن لا يُبنى إلا حين يحمل كل فرد همّ أخيه، في ظل قيادة رشيدة تسعى للعدل والنماء.

وعاش الوطن والجالس على عرشھ… وعاش العدل في قلوب أبنائه!

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button