
الحديث اليوم عن التقارب الثلاثي المغربي – الموريتاني – الاماراتي و ترسيخ أسس المحور الإستراتيجي التاريخي بين أبوظبي و الرباط عبر نواكشوط هو حقيقة جيوسياسية إقليمية و نتيجة طبيعية للجهود الجبارة التي تقوم بها قيادات الدول الثلاث من أجل النهوض بالعمل العربي و الإفريقي المشترك و الرغبة الأكيدة في خدمة الشعوب الإفريقية و إستنهاض قدراتها وفق ضوابط سيادية متوافق عليها و ميكانيزمات تؤطرها قيم الشفافية و الإلتزام و الوضوح و المسؤولية إنطلاقا من تطابق وجهات النظر حول القضايا الإقليمية و القارية و الدولية الراهنة ، تكرسها العلاقات الإقتصادية الممتازة التي تربط بين مختلف العواصم الثلاث .

العديد من المخاطر و الأزمات تهدد الأمن الإقليمي و الدولي في ظل تنامي الإرهاب و الجماعات المسلحة و الإنفصالية و خطاب التطرف و الكراهية بالإضافة السياسات العدوانية الإقليمية للنظام الشمولي الجزائري التي أصبحت تشكل أحد محفزات معادلة الفوضى و الخراب في المنطقة بإحتضان و تمويل و تدريب و تسليح ميليشيا إرهابية تهدد الأمن الإقليمي و سيادة و إستقرار دول الجوار ، في ظل إصرار جنرالات العشرية السوداء على تنزيل مقاربة ديبلوماسية متهالكة تعتمد على الهيمنة الإقليمية و التدخل في الشؤون الداخلية للدول بالإعتماد على تقدير موقف متجاوز يعود لسبعينيات القرن الماضي بأحداثه الدموية و إنقلاباته العسكرية و رؤيته الإيديولوجية المتجاوزة و أخطاءه الديبلوماسية الجسيمة .
موريتانيا تاريخيا هي جزء محوري من العمق الإستراتيجي و المجال الحيوي للمملكة المغربية في إفريقيا و بالتالي فحتمية التعاون والتنسيق بين المغرب وموريتانيا هو مطلب جيوسياسي وضرورة إقتصادية في ظل توازنات السياسة الخارجية الإقليمية سواء المغاربية أو الإفريقية أو الدولية ، و مدخل محوري لتأسيس شراكة إستراتيجية مستدامة و مندمحة قوية ناجعة و فعالة بشكل يخدم مصلحة الشعبين الشقيقين المغربي و الموريتاني من خلال تجسير هوة الخِلافات السياسية بين الطرفين أو إبقائِها عِند مستويات تسمح للجانبين بصناعة الإستقرار الإقليمي في ظل قيم الإنفتاح و التكامل و الإحترام المتبادل لمعاني السيادة و إستقلالية القرار السياسي بأبعاد أخوية و إنسانية و تنموية شاملة و التفكير الجدي في إبتداع مقاربات جديدة لتأطير العلاقات الثنائية بين الرباط و موريتانيا بالإرتكار على التاريخ المشترك الطويل بين البلدين ، موريتانيا هي جزء من العمق الإستراتيجي للمغرب حيث تعتبر من أكثر الدول الإفريقية إستقبالا للإستثمارات الخارجية المغربية .
في نفس السياق العلاقات المغربية – الموريتانية تشكل لصانع القرار السياسي في نواكشوط خيار إستراتيجيا محوريا في علاقاتها الخارجية حيث تعتبر المملكة المغربية تاريخيا وحاضرا عمقها الاستراتيجي والثقافي والروحي والبشري و الإقتصادي و بشكل خاص بعد تحرير المعبر الدولي الحدودي الكركرات من عصابات و ميليشيات البوليساريو الإرهابية حيث يمكن إعتبار إنتصار المغرب في معركة الكركرات عسكريا و سياسيا و ديبلوماسيا هدية مجانية قدمها المغرب في طبق من ذهب للفاعل السياسي في نواكشوط ، فهذا هذا الإنتصار حرر موريتانيا من تهديد البوليساريو للأمن الإقتصادي الموريتاني، كما أنه أعطى لموريتانيا حرية أكثر في الإنتقال بين المحاور الجيوسياسية في المنطقة لأن تأمين المغرب لمعبر الكركرات الدولي بعملية عسكرية و أمنية دقيقة هو تحرير أيضا لموريطانيا من وصاية ميليشيا البوليساريو الإرهابية التي لا تتوانى في تهديد الأمن الإقليمي و الدولي خدمة لأجندات توسعية إقليمية.
الإمارات العربية المتحدة الدولة الشقيقة للمملكة المغربية تظل أحد أهم الشركاء الإستراتيجيين للمملكة وتعتبر أحد أهم الحلفاء الثابتين في مواقفهم بالنسبة إلى المغرب وتلعب دورا مركزيا في ترسيخ العمق العربي للمغرب بالنظر إلى العلاقات التاريخية والأخوية بين قيادة الإمارات والعاهل المغربي الملك محمد السادس حيث يظل محور الرباط/أبو ظبي جزءا أساسيا من الأمن القومي العربي الممتد من الخليج إلى المحيط في ظل التحديات الجيوسياسية الخطيرة التي يعرفها العالم في هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ الإنساني .
العلاقات الإماراتية / الموريتانية عرفت تطورا كبيرا على جميع الأصعدة نتيجة الرغبة الأكيدة لقيادات البلدين في ترسيخ هذه العلاقات و إعطاءها بعدا تنمويا إلى جانب طبيعتها التضامنية فموريتانيا اليوم حبلى بالفرص الإستثمارية الواعدة حيث أعلن الجانبان في كثير من المناسبات تطابق وجهات النظر والمواقف بينهما في العديد من القضايا العربية والإقليمية والدولية، و بشكل خاص مكافحة الإرهاب والتطرف والجهات التي تعمل على تقويض الأمن والاستقرار. وتجلّى تميز وتطور هذه العلاقات في التبادل الثنائي لزيارات رفيعة المستوى بين الجانبين ، وتنسيق المواقف السياسية، وتوقيع اتفاقيات مهمة في العديد من المجالات الإقتصادية و الصحية و على مستوى الطاقة و البنية التحتية حيث تقوم الإمارات العربية المتحدة بتمويل مشروع بناء الطريق الاستراتيجي الذي يربط بين المدن الشرقية في موريتانيا، وصولاً إلى الحدود المشتركة مع جمهورية مالي المجاورة .
المبادرات التنموية المغربية بإفريقيا يمكن إعتبارها دفتر تحملات إقليمي مغربي تقدمه الرباط العاصمة لمختلف العواصم الإقليمية و من بينها أبو ظبي و نواكشوط من أجل الانخراط في جهود التنمية بإفريقيا و أرضية صلبة لتطوير الجهود التنموية في القارة حيث تظهر جدية و إلتزام و إرادة المملكة المغربية في تنمية و خدمة القضايا الأفريقية من منطلق تنموي تضامني صادق كالمشروع الهيكلي أنبوب الغاز الإفريقي – الأطلسي الذي يخدم أكثر من 400 مليون إفريقي في دول غرب إفريقيا من بينها موريتانيا و مسلسل الرباط للدول الإفريقية الأطلسية ، والمبادرة الملكية لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي و التي تشكل مبادرة إقليمية رائدة للإندماج الإقليمي و القاري حيث ستتحول الصحراء المغربية إلى جسر لوجيستيكي و تنموي عملاق يخدم مصالح شعوب الدول الإفريقية الحبيسة في الصحراء الإفريقية الكبرى و غرب إفريقيا و ستشكل للإقتصاد الموريتاني فرصة واعدة من أجل التكامل الإقتصادي و الإندماج الإقليمي .
الصحراء المغربية اليوم بفضل مسارات تنموية و سياسية و ديبلوماسية متعددة أبرزها نهج ديبلوماسية القنصليات تحولت إلى فضاء ديبلوماسي و سياسي إقليمي و قاري و دولي متميز حيث تعتبر من أكثر الأقاليم إزدحاما في العالم بالقنصليات و البعثات الأجنبية مما يشكل فرصة أكيدة لتطوير موقف سياسي إقليمي جديد ينطلق من مبادئ سياسية واضحة ترتكز على تقوية المشترك السياسي و الإقتصادي ، و العديد من المعطيات اليوم على الفاعل المؤسساتي و المدني الموريتاني إستحضارها في أفق تطوير موقف سياسي جديد يتناغم من التغيرات الكبرى التي يعرفها العالم و معها النزاع الإقليمي المفتعل حول سيادة المملكة على الأقاليم الجنوبية فأكثر من 50 دولة، تقريبا، سحبت في العقدين الأخيرين الاعتراف بالجمهورية الوهمية ليتراجع عدد البلدان التي ما تزال تعترف بهذا الكيان الوهمي إلى حدود 28 دولة فقط و بصيغة أخرى فإن أكثر من 84 في المائة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لا تعترف بالجمهورية الوهمية ، في مقابل أزيد 110 من دول أعضاء في الأمم المتحدة تدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل أساس و نهائي للنزاع من بينها أكثر من 22 دولة أوروبية ،و أكثر من 40 بالمئة من دول الإتحاد الافريقي التي لها قنصليات في العيون و في الداخلة إلى جانب دول أخرى من آسيا و أمريكا اللاتينية بعدد يتجاوز 30 قنصلية ،كل هذه الأرقام و الحقائق تؤكد حقيقة واحدة أن ماضي و حاضر و مستقبل الصحراء المغربية لن يكون إلا تحت السيادة المغربية و أن إلتحاق الطرف الموريتاني لدعم صريح و واضح للشرعية الدولية هو السبيل الوحيد لتحقيق الإستقرار و التنمية المستدامة و الإزدهار لشعوب المنطقة .
في ظل هذه المتغيرات الكبرى التي يعرفها النزاع الإقليمي المفتعل تؤطرها دينامية ديبلوماسية مغربية فاعلة و متميزة و بكل الوضوح الممكن الجمهورية الإسلامية الموريتانية اليوم كدولة مستقلة ذات سيادة مطالبة بفك الإرتباط السياسي مع ميليشيا البوليساريو الإرهابية و إلغاء إتفاقية الجزائر المشؤومة يوم 5 غشت 1979 مع كيان إرهابي منبوذ إفريقيا لا وجود له دوليا وقعها الطرف الموريتاني في ظل مناخ داخلي و إقليمي و قاري و دولي مرتبط بالصراع بين المعسكرين الشرقي و الغربي و تصاعد المد الإشتراكي و هيمنة الفكر الإنقلابي على القيم الديمقراطية الأصيلة ، فإتفاقية الجزائر 1979 ترهن القرار السيادي الموريتاني لصالح جبهة البوليساريو الإرهابية و تفرض وصاية حقيقية على علاقات نواكشوط بدول الجوار و تكبل حرية موريتانيا كدولة ذات سيادة في تدبير علاقاتها الثنائية بالندية اللازمة مع باقي شركاءها الإستراتيجيين كالمغرب و الجزائر ، فالإنفتاح الموريتاني على محيطها الإقليمي هو أمر مطلوب من أجل بناء إقتصاد موريتاني تنافسي و قوي قادر على أن يكون أحد محركات قنوات التكامل الإقليمي بشكل متناغم مع المبادرات المغربية في إفريقيا .
الرؤية الملكية الإستراتيجية تشكل العمود الفقري للسياسة المغربية في إفريقيا و المبادرات التنموية المغربية في إفريقيا و بشكل خاص في غرب إفريقيا و الساحل يمكن أن نعتبرها أرضية مشتركة صلبة يمكن الإعتماد عليها لتطوير العمل البيني المشترك بين الرباط و أبوظبي و نواكشوط في ظل التحديات الجيوسياسية الدولية و القارية و الإقليمية التي يعرفها العالم و التي تتطلب المزيد من تشبيك العلاقات و تطويرها بشكل يخدم مصالح الشعوب و يضمن إستقرارها و سيادتها .