الوجه الآخر

في مدينة هادئة، تعيش “ليلى” حياة تبدو مثالية. زوجها “ماهر” رجل أعمال ناجح، وابنتها “سارة” فتاة في ربيعها السادس، والبيت الذي تسكنه في حي راقٍ يعبق بالدفء والسكينة. لكن تلك الحياة التي يراها الجميع أشبه بالجنة، تخفي وراءها أسرارًا قاتمة.
في إحدى الليالي، بينما كان ماهر في سفر عمل معتاد، تلقت ليلى رسالة غريبة على هاتفها من رقم مجهول:
“زوجك ليس كما تظنين.. الحقيقة أقرب مما تتخيلين.”
تجاهلت ليلى الرسالة في البداية، لكن الفضول بدأ ينهشها. وفي الليلة التالية، وصلتها صورة لماهر في مطعم فاخر، يجلس أمام امرأة شابة جميلة، يبدوان في غاية القرب والحميمية. شعرت ليلى بقبضة باردة على قلبها. هل يعقل أن يكون زوجها يخونها؟
في اليوم التالي، عادت ليلى إلى بيتها بعدما أوصلت سارة إلى المدرسة. وبينما كانت ترتب خزانة ماهر، عثرت على شيء جعل الدم يتجمد في عروقها: عقد إيجار لشقة لم تسمع بها من قبل، مؤجرة باسم ماهر.
شعرت أن حياتها المثالية بدأت تتهاوى. قررت أن تذهب إلى تلك الشقة بنفسها. عندما وصلت، وجدت الباب مواربًا. دفعت الباب ببطء، ودخلت… كان المكان مرتبًا بشكل مريب، وكأنه شقة حديثة الاستخدام. وعلى الطاولة، وجدت صورة لماهر… ومعه نفس المرأة التي كانت في الصورة السابقة.
سمعت فجأة صوتًا خلفها… استدارت لتجد رجلاً يقف في الظل، يحدق بها بعينين باردتين. قبل أن تتمكن من الصراخ، انقض عليها…
استفاقت ليلى في غرفة مظلمة. كانت يداها مقيدتين خلف ظهرها، وفمها مكممًا. حاولت أن تتذكر كيف وصلت إلى هنا، لكن الألم في رأسها جعل التفكير صعبًا. بعد دقائق، انفتح الباب ودخل الرجل الذي رأته في الشقة.
“كنت أعرف أنك ستأتين،” قال بصوت هادئ مخيف. “لكن لم أتوقع أن تكوني بهذه السرعة.”
نزع الرجل الكمامة عن فمها، فتحدثت ليلى بصوت مرتجف: “من أنت؟ وماذا تريد مني؟”
ابتسم الرجل ابتسامة باردة. “أنا شخص يبحث عن الحقيقة… تمامًا مثلك.”
سألته ليلى: “ما علاقتك بماهر؟ ومن هي تلك المرأة؟”
جلس الرجل على الكرسي المقابل. “اسمي يوسف… وماهر هو من دمر حياتي.”
بدأ يوسف يحكي قصته. كان شريكًا لماهر في مشروع كبير، لكن ماهر خانه واستولى على كل شيء، بما في ذلك زوجته… المرأة التي كانت في الصورة. “نجلاء كانت كل حياتي،” قال يوسف، وعيناه تتلألآن بالغضب. “ثم اكتشفت خيانتها مع صديق عمري.”
بدأت القطع تتجمع في ذهن ليلى، لكن شيئًا ما لم يكن منطقيًا. سألت يوسف: “وما دخلي أنا بكل هذا؟”
“لأنك جزء من لعبته. وأعتقد أنك ستفاجئين بما سأخبرك به قريبًا.”
وقبل أن يوضح، رن الهاتف. نظر يوسف إلى الشاشة، ثم رفع عينيه إلى ليلى: “إنه ماهر… يبدو أن اللعبة بدأت.”
عاد يوسف بعد المكالمة ووجهه يزداد قتامة. “يبدو أن ماهر بدأ يشك في أنك تعرفين شيئًا. لكن لا تقلقي… لدينا فرصة لكشفه.”
قررت ليلى التعاون مع يوسف. كانت الحقيقة هي سلاحها الوحيد. اتفقا على أن تتصرف ليلى بشكل طبيعي عندما يعود ماهر من سفره، بينما يراقب يوسف تحركاته.
في تلك الليلة، عاد ماهر بابتسامته المعتادة، وقبّل ليلى وسأل عن سارة. حاولت ليلى أن تخفي ارتباكها، لكنها شعرت أن عينَي ماهر تراقبانها بحدة غير معتادة.
في اليوم التالي، تلقت رسالة جديدة:
“ابتعدي عن ما لا يعنيك… أو ستدفعين الثمن.”
أرسلت الرسالة من هاتف نجلاء. أدركت ليلى أن الأمور بدأت تأخذ منحى خطيرًا. اتصلت بيوسف، واتفقا على مواجهة ماهر، لكن قبل ذلك، قررا مراقبة الشقة السرية.
عندما وصلا، وجدا الباب مفتوحًا مرة أخرى. هذه المرة، كانت الشقة في حالة فوضى عارمة، وكأن شجارًا قد وقع. وعلى الأرض، كانت هناك بقعة دماء… وجهاز هاتف محمول مكسور.
سمعا صوتًا يأتي من الغرفة الداخلية. اقتربا بحذر، وعندما فتحا الباب… كانت المفاجأة.
في الغرفة، وجدوا نجلاء ممددة على الأرض، فاقدة الوعي. لكن المفاجأة الأكبر كانت في الشخص الذي كان يقف فوقها، مرتجفًا، وفي يده سكين…
ماهر.
“ما الذي تفعله؟!” صرخت ليلى.
نظر ماهر إليهما وكأنه رأى شبحًا. “الأمر ليس كما تظنان!” صرخ. “أنا… لم أكن أنوي إيذاءها! هي من بدأت!”
بدأت نجلاء تستعيد وعيها، وهمست: “كاذب… هو من حاول قتلي… لأنه عرف أنني سأخبركم بالحقيقة.”
صرخ يوسف: “أي حقيقة؟ تكلمي!”
نظرت نجلاء إلى ليلى والدموع في عينيها: “ماهر لم يخنك فقط… بل استغل اسمك في صفقات مشبوهة… وهناك من يلاحقك الآن.”
انهارت ليلى على الأرض. شعرت أن عالمها كله ينهار. وقبل أن تتمكن من استيعاب ما يحدث، سُمع صوت الشرطة وهي تقتحم المكان.
أُلقي القبض على ماهر، وأُخذت نجلاء إلى المستشفى. بعد تحقيقات طويلة، اكتُشفت شبكة واسعة من الاحتيال يقودها ماهر، كان يستغل اسم ليلى وبياناتها القانونية في معاملات غير شرعية.
في النهاية، حصل يوسف على حقه، واستعادت ليلى حياتها، لكن شيئًا ما بداخلها انكسر إلى الأبد. لم تعد تلك المرأة التي تثق بسهولة… فقد عرفت الوجه الآخر لمن ظنت أنه شريك حياتها.