سابع رمضان: إنشاء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة رمز الامتداد الروحي والإشعاع الحضاري للمغرب

في السابع من رمضان 1436 هـ الموافق لـ 24 يونيو 2015، أحدثت تحت رئاسة أمير المؤمنين الملك محمد السادس بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.15.75 “مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة”، وجاء في نص الظهير: ” وعيا من جلالتنا الشريفة بأهمية الروابط الدينية والتاريخية والثقافية التي تجمع المغرب بأفريقيا باعتباره جزءا لا يتجزأ منها؛
وسعيا لتوحيد جهود علماء المغرب وباقي الدول الإفريقية لخدمة مصالح الدين الإسلامي، وفي مقدمتها التعريف بقيمه السمحة ونشرها، وتشجيع الأبحاث والدراسات في مجال الفكر والثقافة الاسلامية؛
ورغبة من جلالتنا الشريفة في المحافظة على وحدة الدين الإسلامي، وصد التيارات الفكرية والعقدية المتطرفة، وفتح فرص لتبادل الآراء بين علماء القارة، وتنمية مدارك الناس العلمية والمعرفية؛
وتعزيزا لما يربط المملكة المغربية والدول الإفريقية من روابط تاريخية ودينية وحضارية عبر العصور؛
وحرصا على حماية العقيدة الإسلامية والوحدة الروحية للشعوب الإفريقية من كل النزاعات والتيارات والأفكار التضليلية التي تمس بقدسية الإسلام وتعاليمه ومقاصده؛
وإيمانا بضرورة توحيد جهود علماء الإسلام بالقارة الإفريقية للنهوض برسالتهم النبيلة على أكمل وجه في الإرشاد والتوجيه والبيان والتربية على كريم السجايا وحميد الخصال؛
لهذه الأسباب فقد قر عزم جلالتنا الشريفة على جمع جهود علماء مملكتنا وجهود زملائهم بالقارة على تحقيق تلك الغايات السامية؛
وبناء على الدستور، و لا سيما الفصل 41 منه؛”
ونصت المادة الرابعة من الظهير الشريف على أن المؤسسة تسعى إلى تحقيق الأهداف التالية:
- توحيد وتنسيق جهود العلماء المسلمين، بكل من المغرب وباقي الدول الإفريقية، للتعريف بقيم الإسلام السمحة ونشرها وترسيخها؛
- القيام بمبادرات في إطار كل ما من شأنه تفعيل قيم الدين السمحة في كل إصلاح تتوقف عليه عملية التنمية في إفريقيا سواء على مستوى القارة أو على صعيد كل بلد؛
- تنشيط الحركة الفكرية والعلمية والثقافية في المجال الإسلامي؛
- توطيد العلاقات التاريخية التي تجمع المغرب وباقي دول أفريقيا والعمل على تطويرها؛
- التشجيع على إقامة المراكز والمؤسسات الدينية والعلمية والثقافية؛
- إحياء التراث الثقافي الإفريقي الإسلامي المشترك من خلال التعريف به ونشره والعمل على حفظه وصيانته ؛
- ربط الصلات وإقامة علاقات التعاون مع الجمعيات والهيئات ذات الاهتمام المشترك.
وتعد التجربة الدينية للمغرب، القائمة على المذهب المالكي وقيم الوسطية، إرثا ثقافيا ودينيا وروحيا يمتد من المملكة إلى عمق الدول الإفريقية جنوب الصحراء، فقد كانت القوافل التجارية التي تعبر المغرب، حاملة بضائعها من أعماق إفريقيا إلى أوروبا، تحمل أيضا معها نفحات صوفية بفعل التأثير المغربي في الحياة الدينية والروحية في المنطقة منذ بداية انتشار الإسلام في القارة السمراء، وقد كان المغرب مهدا للحواضر الدينية والمؤسسات التعليمية العريقة، حيث انطلق نور العلم والإيمان منه ليصل إلى إفريقيا جنوبا وشمال أوروبا بالشكل الذي يجعل من المغرب ملتقى للحضارات.
وعلى مر السنين، لعبت الزوايا الصوفية المغربية دورا محوريا في نشر رسالة الإسلام المعتدل ومبادئه السمحة، وكانت هذه الزوايا، إلى جانب جامعة القرويين، مراكز إشعاع علمي وديني، حيث كانت تستقطب الأطر الدينية والعلمية من مختلف المناطق لتلقي العلم والفقه قبل العودة إلى أوطانهم حاملين معهم إلى جانب العلم ملامح الشخصية المغربية المعتدلة، وهكذا، أصبح المغرب مصدرا رئيسيا للمعرفة الدينية والحضارية بالنسبة للعديد من الأقطار الإفريقية، التي وجدت فيه منبعا لعلوم الشرع واللغة وموطنا للأولياء الصالحين.
ومن خلال العلاقات المتينة بين المربي والمريد، والشيخ والمتعلم، والفقيه والطالب، تعززت مكانة المغرب كمركز ديني وعلمي، وقد تخرج على يد علمائه العديد من الشخصيات التي أصبحت مراجع دينية مرموقة في إفريقيا، مما ساهم في ترسيخ قيم الاعتدال والوسطية كمنهج حياة، والتصوف كمسار روحي بعيدا عن التطرف والغلو، الذي تفاقم تأثيره في السنوات الأخيرة في بعض تلك الدول. وهذا ما يجعل توحيد جهود العلماء وتعزيز المبادرات الهادفة إلى تهدئة النفوس وتوضيح المفاهيم الدينية أمرا ضروريا، ومن هنا كانت الحاجة ملحة في الوقت الراهن إلى مؤسسة مثل مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، التي لعبت منذ تأسيسها دورا محوريا في نشر قيم الاعتدال والحوار والتعايش في عموم القارة السمراء.