أخبارالرئيسيةفي الصميم

أنت أعظم من يوم احتفال !

بقلم/ د. مهدي عامري

ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” – سورة الاسراء : 70.

يستيقظ العالم كل عام في 8 مارس لينفض الغبار عن نسيانه المزمن، فيمسك المرأة بين اصابعه مثل قطعة الشوكولاتة، يزينها بوردة صناعية، ويصفق لنفسه على هذا الإنجاز العظيم.

يومٌ واحد من التصفيق، و364 يومًا من الصمت المطبق.

يا له من احتفال تافه! أن يُحصر دور المرأة في ملصق دعائي، أن يُختزل وجودها في شعار براق يُستهلك بوقاحة ثم يُرمى في سلة المهملات حتى يحين موعد الكذبة القادمة.

كفى من الضحك على الذقون !

المرأة ليست قطعة شوكولاتة، ولا وردة موضوعة في مزهرية فاخرة تنتظر أن يتشممها رجلٌ مارٌّ على عجل. المرأة ليست احتفالًا مؤقتًا، إنها كفاحٌ دائم. هي التي تحمل الحياة في رحمها تسعة أشهر، ثم تحملها على ظهرها حتى يصبح الحمل ثقيلًا لدرجة أن ظهرها ينحني، ثم تسير بلا توقف، و بلا تذمر.

لكن، انتظر، ألا يحمل الرجل أيضًا؟ ألا يحمل زوجته وأولاده فوق كتفيه إلى أن يموت؟ ألا يضع الحياة فوق رأسه ويمضي حتى تتآكل قدماه؟ ألا ينهار تحت وطأة العائلة، والعمل، والمجتمع، والقوانين غير المكتوبة؟

لعل الفرق الوحيد أن حمله غير مرئي، غير معترف به، لأنه لا يسكن في بطنه. فنحن مولعون، خصوصًا، بالمرئي، نحتفي به ونقيم له الطقوس، لكن ما لا يُرى لا وجود له.

أيتها النساء، مبروك لكن 8 مارس!

يكون طفلا. يشب عن الطوق. ينمو. هذا هو الرجل..

يشتد عوده و يكبر..

يتنقل من حضن أمه إلى حضن امرأة أخرى، أي إلى حضن الزوجة، ثم ينظر إليها بعد عشرين أو ثلاثين عامًا ويهمس في داخله: “إنها مثل أمي، لا أستطيع العيش بدونها.” ثم يمضي ليكمل حياته، قويًا في الظاهر، وهشًا في الباطن.

إنه يحمل كل شيء فوق رأسه لكنه لا يجرؤ على الشكوى، لأن هذا حكرٌ على الطرف الآخر من المعادلة.

رباه !

نعيش في زمن المسخ..

أعياد المرأة مثل كعكة عيد الميلاد المحترقة التي يُجبر الجميع على تذوقها حتى لو كانت مرة. كلمات احتفائية، وقصائد حب جوفاء تُلقى على عجل، وباقات وردٍ تُشترى ببطاقات الائتمان، وابتسامات مزيفة تمتد لثوانٍ قبل أن يُغلق الستار ويعود الجميع إلى مواقعهم المعتادة.

تمكين المرأة،
حقوق المرأة،
حرية المرأة،
كلماتٌ ليست كالكلمات…

تُلقى كفتات الخبز في الساحات الفارغة.

وفي المقابل، لا أحد يحتفل بالرجل، لأنه يُفترض به أن يكون قويًا دون اعتراف، أن يكون موجودًا دون ضجيج، أن يحمل على كتفيه والديه وزوجته وأولاده دون أن ينتظر شكرًا.

نحن نخلق أبطالًا من جهة، ونتجاهل أبطالًا من جهة أخرى، ثم نتساءل: لماذا النظام مختل؟

والآن، افتح أذنيك جيدًا واسمعني إلى النهاية: الحقيقة التي لا يريدونك أن تراها وجهًا لوجه هي أن المرأة عظيمة، وأن الرجل عظيم. ثمة تكامل و تعاون.. ليست هناك معركة، لكن الإعلام أرادها كذلك. أرادها سوقًا استهلاكية ضخمة تُباع فيها المظلومية بسعر الذهب، وكلما اشتعل الغضب، زادت الأرباح.

في 8 مارس، يروجون للمرأة وكأنها كائن مهدد بالانقراض يحتاج إلى إنقاذ، بينما الرجل يقف في الخلفية مثل تمثال بلا قيمة. بلا روح. لكن الحقيقة أن كليهما في نفس القارب، يتقاذفهما تيار الحياة ذاته، وربما يغرقان معًا أو ينجوان معًا.

وبالتالي، فإن الحل ليس في الاحتفال بـ 8 أو 9 مارس…

الحل كلمة واحدة: الاعتراف…

الاعتراف بأن المرأة ليست كائنًا هشًا يحتاج إلى حفلة سنوية ليبقى على قيد الحياة، والاعتراف بأن الرجل ليس آلة صامتة تُستهلك حتى تتعطل. ربما يكمن الحل في أن نُسقط هذه الأقنعة السخيفة، ونتوقف عن بيع الوهم، وندرك أخيرًا أن البطولة ليست حكرًا على أحد.

امي، اختي، زوجتي، ابنتي.. كل عام وأنتِ بخير، أيتها المرأة التي تناضل كل يوم، ليس من أجل حقوق مستوردة، بل من أجل كرامة يومية تُسحق تحت وطأة الالتزامات.
كل عام وأنتَ بخير، أيها الرجل الذي لا يحق له حتى أن يتعب، لأنهم قالوا له إن التعب امتياز أنثوي.
كل عام ونحن جميعًا بخير، أو ربما لسنا كذلك، لأننا سوف نستيقظ في 8 مارس القادم من العام المقبل ونكرر المسرحية ذاتها.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button