أخبارأخبار سريعةجهات المملكة

محاولات أوروبية لزيارة الصحراء المغربية.. بين التشويش والواقع الدبلوماسي

شهدت الأشهر الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في محاولات سياسيين ونشطاء أوروبيين موالين لجبهة البوليساريو للوصول إلى الصحراء المغربية، ما أثار تساؤلات حول خلفيات هذه الزيارات ودوافعها الحقيقية، خاصة في ظل التحولات الدبلوماسية التي يشهدها الملف.

● تحولات دبلوماسية تضيق الخناق على البوليساريو

تأتي هذه التحركات بالتزامن مع تراجع نفوذ البوليساريو والجزائر على الساحة الدولية، خاصة بعد إعلان دول أوروبية مؤثرة مثل فرنسا وإسبانيا دعمها لمقترح الحكم الذاتي كحل واقعي للنزاع، وهو ما يشكل ضربة لمساعي الجبهة الانفصالية وحلفائها في أوروبا. ويرى مراقبون أن هذه المحاولات تهدف إلى استعادة بعض الزخم السياسي، خاصة على المستوى غير الرسمي، بعد الضربات الدبلوماسية المتتالية التي تلقاها البوليساريو.

وفي هذا السياق، صرّح ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بأن محاولات دخول بعض البرلمانيين الأوروبيين إلى مدينة العيون ليست سوى محاولات للتشويش، مؤكدًا أن أي زيارة للمغرب، سواء رسمية أو سياحية أو ذات طبيعة خاصة، تخضع لإجراءات تنظيمية واضحة، كما هو الحال في جميع دول العالم.

● استغلال علاقات قديمة لاستعادة الدعم

يرى خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بكلية الحقوق في وجدة، أن هذه المحاولات تتناسب مع حجم الخسائر الدبلوماسية التي تكبدتها البوليساريو والجزائر، مشيرًا إلى أن الأخيرة تلجأ إلى المجال غير الرسمي لاستثمار علاقاتها التاريخية مع تيارات سياسية أوروبية، خاصة اليسارية منها، التي كانت خلال الحرب الباردة تتبنى مواقف داعمة لما يسمى بـ”حق تقرير المصير”.

وأوضح شيات أن الجزائر والبوليساريو تستغلان هذه الشبكات القديمة التي تمتد إلى البرلمان الأوروبي والهيئات المدنية، عبر دعم الأبحاث والفعاليات الثقافية وتمويل بعض الجمعيات الناشطة في هذا المجال، مما يساعد في إبقاء القضية حاضرة على المستوى الإعلامي والشعبي، رغم التراجع الرسمي لدعمها في الدوائر الحكومية الأوروبية.

● مخططات الجزائر في مواجهة النجاحات المغربية

من جانبه، أكد الحسين كنون، المحامي ورئيس المرصد المغاربي للدراسات السياسية والدولية، أن هذه المحاولات تأتي في وقت أصبح فيه حل النزاع المفتعل حول الصحراء أقرب من أي وقت مضى، بفضل الدعم المتزايد لمقترح الحكم الذاتي من قبل القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة، ألمانيا، إسبانيا وفرنسا، إلى جانب تأييد دول إفريقية وخليجية وأمريكية لاتينية.

وأشار كنون إلى أن هذه التحركات “ممولة بأموال الغاز الجزائري”، لكنها لن تؤثر على مواقف الدول الكبرى، التي باتت تضع مصالحها الاستراتيجية فوق الاعتبارات الأيديولوجية القديمة، حيث أصبحت العلاقات الدولية قائمة على منطق المصالح المشتركة، بدلاً من الشعارات الثورية التي تعود إلى فترة الحرب الباردة.

● زيارة قد تتحول إلى فرصة لتغيير القناعات

ورغم الأهداف السياسية التي تحرك هذه الزيارات، يرى بعض المراقبين أن دخول هؤلاء النشطاء إلى الصحراء المغربية قد يكون فرصة لمراجعة مواقفهم، حيث سيشاهدون على أرض الواقع حجم التنمية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية، من بنية تحتية متطورة، ومدارس، ومستشفيات، ومشاريع اقتصادية ضخمة، مثل الميناء الأطلسي بالداخلة، الذي يعزز موقع المغرب كمركز اقتصادي إقليمي.

في ظل هذه التطورات، يبدو أن محاولات البرلمانيين والنشطاء الأوروبيين الوصول إلى الصحراء المغربية تأتي كرد فعل على النجاحات الدبلوماسية التي يحققها المغرب، لكنها في الوقت نفسه تعكس يأس البوليساريو وحلفائه من التأثير على مواقف الدول الكبرى. وبينما تحاول الجزائر والبوليساريو استثمار العلاقات التاريخية مع بعض الجهات الأوروبية، فإن الواقع على الأرض والتحولات الجيوسياسية يثبتان أن حل النزاع يسير في اتجاه الاعتراف بالمغرب كطرف رئيسي في أي تسوية مستقبلية.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button