سرقة البالوعات وتخريب الممتلكات العامة… بين الاستهتار والمسؤولية

تشهد العديد من المدن المغربية، من سلا إلى بركان، حوادث مأساوية ناجمة عن الإهمال والتخريب، كان آخرها وفاة الطفلة “يسرى” غرقًا في بالوعة للصرف الصحي بعد أن جرفتها السيول من يد والدها. وقبلها نجا طفل آخر في سلا بأعجوبة بعد سقوطه في بالوعة أمام أنظار والدته. هذه الحوادث المؤلمة تفتح ملف سرقة وتخريب الممتلكات العامة، بما في ذلك بالوعات الصرف الصحي التي لم تسلم من عبث العابثين، مما يشكل تهديدًا حقيقيًا لأرواح المواطنين.
● سرقة البالوعات… حين ينقلب السحر على الساحر
في مشهد يعكس قبح هذه الظاهرة، وثق مقطع فيديو سرقة بالوعة صرف صحي، حيث ظهر اللص وهو يعاني لحملها على عربته البسيطة، قبل أن يسقط هو نفسه في الحفرة التي تركها مفتوحة وكأنه يجسد المقولة الشهيرة: “من حفر حفرة وقع فيها”. لكن المأساة الحقيقية تكمن في الضحايا الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة، والذين يدفعون حياتهم ثمنا لهذا الاستهتار.
● تخريب المرافق العامة… ظاهرة تهدد صورة المغرب
في وقت يستعد فيه المغرب لتنظيم أكبر التظاهرات العالمية، تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع وصور لممارسات تخريبية تستهدف الممتلكات العامة، من كراسي الحدائق إلى أعمدة الإنارة مرورًا بأبواب المرافق العمومية وإشارات المرور. مثل هذه المشاهد تعكس استهتار البعض لكنها أيضًا تطرح تساؤلات حول غياب الرقابة والصرامة القانونية في ردع المخربين.
● العقوبات القانونية… بين الردع والتطبيق
ينص القانون الجنائي المغربي على معاقبة كل من يتعمد تخريب الممتلكات العامة، حيث تشير المادة 595 إلى عقوبات تتراوح بين شهر وسنتين سجنا مع غرامات مالية. كما أن القانون يجرم شراء المسروقات، مما يفرض ضرورة تشديد العقوبات ليس فقط على السارقين، ولكن أيضًا على من يتاجرون بهذه المسروقات، خاصة من تجار الخردة. ومع ذلك يرى خبراء قانونيون أن هذه العقوبات لا تزال غير كافية، إذ ينبغي تصنيف بعض هذه الجرائم ضمن الجنايات بدل الجنح، بالنظر إلى خطورتها وتأثيرها على سلامة المواطنين.
● الضمير المجتمعي… متى نصحو؟
المؤسف في الأمر أن هذه الظواهر لا تقتصر على سرقة البالوعات فقط، بل تمتد إلى مختلف المرافق العمومية حيث نجد إشارات المرور وقد أزيلت، وعلامات التشوير وقد استخدمت في أغراض شخصية، وأعمدة الإنارة وقد حطمت وكأن الفاعلين يحملون حقدًا دفينًا ضد ممتلكات خلقت لخدمتهم.
إن من يسرق أو يخرب هذه المرافق لا يضر الدولة فقط، بل يضر كل مواطن يحتاج إليها. وإذا كان بعض المخربين يرون في هذا السلوك مجرد “استغلال” لموارد متاحة، فإن الحقيقة أن هذا التخريب يعرض أرواح الأبرياء للخطر، كما حدث مع الطفلة يسرى وغيرها ممن فقدوا حياتهم بسبب إهمال أو جشع البعض.
● مسؤولية جماعية لمواجهة الظاهرة
لا يمكن تحميل المسؤولية للدولة وحدها، بل إن المجتمع ككل مطالب بالتدخل لوقف هذا النزيف. من الضروري تفعيل العقوبات بصرامة وتعزيز الرقابة ونشر الوعي بأهمية الحفاظ على الممتلكات العامة. كما يجب تشجيع المواطنين على التبليغ عن هذه الجرائم، حتى لا تظل الأمور مجرد حكايات عابرة تتكرر دون حلول جذرية.
إنها مسؤوليتنا جميعًا أن نحمي ما بني لخدمتنا، وأن نتصدى لهذه الظواهر التي لا تشوه صورة المدن فقط، بل تضع أرواح الناس على المحك. فإلى متى سنبقى متفرجين؟