
في خطوة أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط التعليمية والإعلامية، أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن إعفاء 16 مديرًا إقليميًا من مهامهم، وذلك بعد تقييم شامل للأداء التربوي والإداري في المديريات الإقليمية. القرار الذي شمل العديد من المناطق، من بينها الداخلة، العيون، كلميم، آسفي، الناظور وتزنيت، أتى في وقت حساس ضمن إطار إصلاح منظومة التعليم في المغرب. هذا التغيير الواسع قد يفتح الباب لمراجعة سياسات الوزارة، لكنه أثار تساؤلات حول مدى فعالية هذه الإجراءات في تحسين جودة التعليم.
● إصلاحات مستمرة وأسباب متنوعة للإعفاء
وفقًا للمصدر الرسمي من الوزارة، فإن القرار يأتي ضمن عملية تشاركية تهدف إلى تعزيز الأداء التربوي والإداري للمديريات الإقليمية. وأوضح المصدر أن الإعفاءات لم تكن نتاجًا لقرار فردي من الوزير، بل هي ثمرة لتقييم مشترك مع مديري الأكاديميات والمفتشية العامة، مشيرًا إلى أن الأسباب وراء الإعفاءات تتنوع بين مسائل تدبيرية وبيداغوجية تتعلق بكفاءة الأداء في بعض المديريات.
وفي هذا السياق، أكد البلاغ الرسمي للوزارة أن الحركية الإدارية تتضمن أيضًا فتح مناصب للتباري وشغلها من قبل شخصيات ذات كفاءة. يأتي ذلك في إطار مساعي الوزارة لتفعيل أحكام القانون الإطار رقم 51.17 الخاص بإصلاح منظومة التربية والتكوين، وهو جزء من ورش شامل يسعى إلى تحسين جودة التعليم وتحقيق أهداف استراتيجية التعليم في المغرب.
● تفاعلات وردود الفعل: تحديات ونقد من داخل المنظومة
لا شك أن هذا القرار أثار العديد من ردود الفعل بين العاملين في قطاع التربية والتعليم. فقد عبر العديد من الفاعلين النقابيين عن استغرابهم من القرار، حيث أشار البعض إلى ضرورة إيضاح الأسباب الحقيقية وراء إعفاءات المديرين الإقليميين، خاصة وأن البعض منهم يعتبرون أن أسباب الإعفاء لا تزال غامضة بالنسبة للرأي العام.
عبد الله اغميمط، الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم-التوجه الديمقراطي، أبدى قلقه من أن يكون هذا القرار مجرد خطوة سطحية في محاولة لإظهار التغيير، دون أن يكون له تأثير حقيقي على مسار إصلاح التعليم. وأضاف أن العديد من تعيينات المديرين الإقليميين في السابق كانت تتم بناءً على الولاءات الحزبية والنقابية أكثر من اعتمادها على الكفاءة الفعلية.
من جهة أخرى، رأى البعض أن هذه الإعفاءات قد تكون فرصة لفتح المجال للتغيير الحقيقي في الوزارة، خاصة في ظل ما يعانيه قطاع التعليم من تحديات كبيرة، تتراوح بين الاكتظاظ، نقص الموارد البشرية، وتدني جودة التعليم في بعض المناطق.
● التحديات المستقبلية: هل يكفي هذا القرار لتحقيق الإصلاح؟
بالرغم من أهمية تغيير بعض المسؤولين الذين ثبت عدم قدرتهم على الوفاء بالمهام المنوطة بهم، إلا أن العديد من المراقبين يرون أن الحلول الجذرية لتحسين التعليم في المغرب تحتاج إلى أكثر من مجرد إقالات وتعيينات. فالقطاع يعاني من مشكلات عميقة تتعلق بالنظام التعليمي ككل، بدءًا من المنهجيات الدراسية وحتى الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على أداء التلاميذ.
على الوزارة أن تتبنى استراتيجيات أكثر شمولية لمعالجة هذه القضايا، من خلال تحسين التكوين المستمر للمعلمين، تحديث المناهج الدراسية، وتوفير بيئة تعليمية مناسبة لجميع الطلاب في مختلف أنحاء المملكة. كما أن الانتباه إلى الممارسات الإدارية داخل الوزارة أمر بالغ الأهمية، حيث لا بد من تعزيز الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة في جميع المستويات الإدارية.
تعد هذه الإعفاءات جزءًا من سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى تحسين أداء وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، لكن يبقى السؤال الأهم: هل ستسهم هذه الإجراءات في تحقيق الإصلاح الفعلي للمنظومة التربوية في المغرب؟ الإجابة على هذا السؤال ستتضح مع مرور الوقت، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه القطاع التربوي في البلاد.