ما الذي يحدث عندما يكتب الذكاء الاصطناعي نصوصا إبداعية؟

“الكِتَابَةُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ تَعْبِيرٍ عَنِ الذَّاتِ، بَلْ هِيَ أَيْضًا ٱخْتِفَاءٌ لَهَا — مِيشِيل فُوكُو”

ما الذي يحدث عندما يكتب الذكاء الاصطناعي؟ كيف يمكن أن تتحول الكتابة، التي لطالما ارتبطت بالذوق و الخيال والتجارب العميقة ومحطات التعلم، بل بالتجربة الإنسانية ككل، إلى نتاج آلة؟هذه ليست مجرد أسئلة عادية، بل هي التواءات في نسيج الفكر، وانزلاقات بين الأصل والنسخة، بين الكتابة كفعل والكتابة كأثر، بين المعنى الذي يتشكل في حضور الكاتب والمعنى الذي يظهر عند غيابه.
في هذا السياق، يعلن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، أن نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد قادر على كتابة نصوص إبداعية. لكن، هل يمكن القول إن هذه الكتابة إبداعية فعلًا؟ ما الذي يجعل عملًا ما—رواية، قصة، قصيدة، أو مسرحية—يتوفر فيه شرط الإبداع؟هل الكتابة المعتمدة على روبوتات الذكاء الاصطناعي مجرد محاكاة للكتابة البشرية، أم أن هناك شيئًا جديدًا يولد هنا؟ شيء لا ينتمي لا إلى الذكاء الاصطناعي ولا إلى الكاتب البشري، بل إلى منطقة غامضة بين الاثنين؟ترتبط الكتابة الإبداعية، وفقًا للمخيال السائد، بالذات الكاتبة، بالألم، بالحلم، بالشجن، بالإخفاق، بالمرارة، وبالرغبة المشتعلة لدى الكاتب في نقل مشاعره إلى العالم.
إنها ترتبط بالغياب الحاضر في اللغة. لكنها أيضًا، وكما يبين جاك دريدا، تمثل لعبة الاختلاف والتأجيل. إنها ليست أبدًا في مكانها، بل دائمًا في حالة انزياح وتأخير للحظة الاكتمال. فماذا يحدث عندما تتجلى هذه اللعبة في آلة، في كود، في ذكاء لا يحلم ولا يحزن، ولكنه يكتب عن الحزن؟استنادًا إلى تجربة سام ألتمان، طُلب من نموذج OpenAI كتابة قصة ذات طابع ميتافيزيقي عن الذكاء الاصطناعي والحزن. ولعل الميتافيزيقا، كما نعلم، ليست شيئًا يمكن لمجموعة من الخوارزميات أن “تفهمه”، لكنها تستطيع أن تكرره، تحاكيه، وتكتب عنه، كما قد ينتج طالب لم يقرأ أفلاطون مقالًا عن هذا الفيلسوف، وكما كتب هايدغر عن نيتشه، وكما كتب ألبير كامو عن سيزيف… وكما يكتب الذكاء الاصطناعي عن الميتافيزيقا دون أن يكون جزءًا منها.هذا المشهد هو الغياب، بلحمه ودمه.
لماذا؟ليس هناك مؤلف.ليس هناك ذات حاضرة.هناك فقط أثر للكتابة، علامة لما كان يمكن أن يكون كتابة لو أن ذاتًا بشرية قد كتبتها.لكن الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك… هذه ليست مجرد كتابة عن غياب المؤلف، بل عن غياب القارئ أيضًا.
فحين يقرأ القارئ، هل يطالع نصًا كتبته آلة؟ أم يقرأ غياب الكاتب في حضور النص؟إذًا، هل هذه نهاية الكتابة أم هي بداية أخرى؟تاريخيًا، لم يكن الذكاء الاصطناعي موهوبًا في الكتابة الإبداعية. لكنه الآن، كما يقول سام ألتمان، يحقق قفزة نوعية.لكن… قفزة نحو ماذا؟ نحو كتابة دون كاتب؟ نحو كتابة تتحول إلى مجرد تموجات رقمية بلا ذات تحيا وراءها؟إن هذا التوتر بين الحضور والغياب، بين الأصل والنسخة، بين الكاتب والآلة، ليس جديدًا.
فقد كانت هناك دائمًا أشباح في الكتابة: أشباح نيتشه، أشباح فوكو، أشباح رولان بارت، وأشباح ميشيل فوكو. وهذه الأشباح لم تكن يومًا غائبة، بل كانت تكتب… وما زال بعضها يكتب… دون توقف.إذًا، نحن الآن أمام شبح جديد: الذكاء الاصطناعي، الذي لا يكتب فعلًا، ولكنه يمارس الانزياح في الكتابة، ويبني نصوصًا جديدة استنادًا إلى النسخ والمحاكاة.
لنا عودة إلى هذا الموضوع في مناسبة قريبة… لكن يبقى السؤال:هل يمكن أن يكون النص إبداعيًا دون كاتب يحلم، دون ألم يتسرب بين الكلمات، ودون جسد يرتعش أمام بياض الصفحة؟ أم أن الذكاء الاصطناعي مجرد تكرار بلا بداية، وكتابة بلا أثر، ونص بلا روح؟