
بقلم: الاستاذ مولاي الحسن بنسيدي علي
في زمن تتغير فيه الوجوه كما تتغير الفصول، ونرى أصحاب الشعارات الجوفاء يصعدون إلى المنابر، مزهوين بما أطلقوه من وعود كسراب بقيعة، يبرز نموذج الإنسان الذي لا يزن كلماته، ولا يجعل للسانه ضوابط، فتخرج منه العبارات كما تخرج السهام، بعضها يقتل الحقيقة وبعضها يجرح القلوب، لكنه يظن أنه على صواب، وهو في عين البصيرة محض ضلال.هذا الإنسان، الذي كان بالأمس القريب يتودد إلى الشعب، يعدهم بتحقيق العيش الكريم، والقضاء على الغلاء، ومجابهة الاحتكار، ما إن تسلم مفاتيح السلطة، حتى نسي الوعود، وانقلب على من وثقوا به، وأصبح يلعن احتجاجاتهم، مستنكراً مطالبهم البسيطة، متناسياً أنه كان أحدهم، وأنه خرج من ذات المعاناة التي يعانونها اليوم.
أليس هذا هو ديدن الطغاة؟ أليس هذا هو المسار الذي سلكه كثيرون قبله؟ يقفزون إلى قمة الجبل متكئين على آهات الفقراء، ثم إذا ما استقام لهم الأمر، استكثروا على الناس حتى الفتات، واتهموهم بالكسل وتعطيل المشاريع الكبرى، كأنما الوطن حكر على فئة دون أخرى، وكأنما الشبعان لا يتذكر جوع الأمس، ولا يدرك أن الدنيا دولاب يدور، وما كان في القمة اليوم، قد يكون في القاع غداً.
لكنها سنة الحياة، وناموس الكون الذي لا يحابي أحداً، فكم من متجبر سقط، وكم من مستبد خسر، وكم من باطش سُحقت جبروته تحت أقدام المظلومين. فلا دوام لحال، ولا خلود لمنصب، والمناصب كما الرياح، لا تثبت في اتجاه واحد.ويوم تنقلب الموازين، ويعود القط إلى رماده، سيبحث هذا المتكبر عن آذان تصغي لشكواه، وعن أكتاف تستند إليها آلامه، لكن حينها سيكون الزمن قد تجاوزه، وستكون ذاكرة الشعب قد حفظت اسمه في قائمة المنسيين، حيث لا شفقة، ولا التماس للأعذار.
فيا من تحمل أمانة القول والفعل، خفف عن كتفيك أثقال الغرور، وألقِ عن ظهرك حمولة الباطل، وتذكر أن من صعد على أكتاف الفقراء لن يجد من يتلقفه حين يسقط. واعلم أن الحق لا ينحني أمام سطوة الباطل، ولو طال الزمان، فإن الأيام دول، والتاريخ لا يرحم من خان الأمانة، وغدر بعهوده.