أخبارقصص و شخصيات

ثالث عشر رمضان: بداية ثورة أهل فاس ضد المولى سليمان

تشير معظم الكتابات التاريخية إلى أن فترة حكم المولى سليمان كانت أقل استقرارا وازدهارا مقارنة بعهد والده السلطان محمد بن عبد الله، وشهد المغرب خلال عهد المولى سليمان العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والكوارث الطبيعية التي أدت إلى حالة من عدم الاستقرار، حيث توالت الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والجراد والطاعون، مما تسبب في ارتفاع الأسعار وتمرد بعض القبائل ضد السلطة المركزية، ورفضها دفع الضرائب، بالإضافة إلى ذلك، واجه السلطان ضغوطًا خارجية أجبرته على التخلي عن أسطوله البحري والموافقة على تصدير القمح إلى فرنسا رغم انتشار المجاعة.

كما أن سلفية المولى سليمان وإلغاءه للمواسم والطقوس الدينية المقامة على قبور الصالحين والأولياء ساهمت في زيادة التوترات الداخلية، وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى سلسلة من الفتن والمواجهات العسكرية مع القبائل المتمردة، كان أبرزها تمرد أهل فاس وتنصيبهم لإبراهيم بن اليزيد، مما أدى إلى نشوب صراعات داخل المدينة، وبعد فترة من الاضطرابات، تمكن السلطان من استعادة السيطرة على المدينة وإعادة فرض سلطته، لكن السلطان عاش فترة عصيبة بدأت يوم 13 رمضان 1235م / 1820 م، ووصف بدايتها المؤرخ الناصري كما يلي:

“لما عزم السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رَحمَه الله على السّفر إِلَى مراكش ندب جند العبيد إِلَى السّفر مَعَه فتثاقلوا عَلَيْهِ وَظهر مِنْهُم قلَّة المبالاة بِهِ وأحس مِنْهُم بذلك فَأَعْرض عَنْهُم وَبعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ انْسَلَّ من بَين أظهرهم وَقصد محلّة أهل الْحَوْز فَدخل قبَّة الْقَائِد مُحَمَّد بن الجيلاني ولد مُحَمَّد الصَّغِير السرغيني وَكَانَ السُّلْطَان يطمئن إِلَيْهِ مُنْذُ كَانَ رَفِيقه فِي نكبته عِنْد ظيان إِذا كَانَ ابْن الجيلاني الْمَذْكُور مأسورا عِنْدهم وسرحوه للسُّلْطَان فرافقه إِلَى مكناسة حَسْبَمَا مر وَلما احتل السُّلْطَان بمحلة أهل الْحَوْز ازْدَادَ فَسَاد نِيَّة العبيد وسافر السُّلْطَان إِلَى مراكش وَترك مضاربه وأثاثه بيدهم فتوزعوها وعادوا إِلَى مكناسة وَسمع النَّاس بِمَا ارْتَكَبهُ هَؤُلَاءِ العبيد فِي حق السُّلْطَان فَعَاد شباب الْفِتْنَة إِلَى عنفوانه وسرى فِي الحواضر والبوادي سم أفعوانه فخب عبيد مكناسة بعد قدوم إخْوَانهمْ عَلَيْهِم فِي الْفِتْنَة وَوَضَعُوا وَامْتنع عُمَّال الغرب وَبني حسن من دفع الزكوات والأعشار وطردوا جباة السُّلْطَان وَعمد الودايا بفاس إِلَى حارة الْيَهُود الَّتِي بَين أظهرهم بفاس الْجَدِيد فانتهبوها واستصفوا موجودها وَأخذُوا مَا كَانَ تَحت أَيدي الْيَهُود من كتَّان وحرير وَفِضة وَذهب لتجار أهل فاس إِذْ كَانُوا يخيطون لَهُم ويصنعون مَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَى خياطته وصنعته فَضَاعَت فِي ذَلِك أَمْوَال لَا يحصيها قلم حاسب ثمَّ جردوهم رجَالًا وَنسَاء وَسبوا نِسَاءَهُمْ وافتضوا أبكارهم وسفكوا دِمَاءَهُمْ وَشَرِبُوا الْخُمُور فِي نَهَار رَمَضَان وَقتلُوا الْأَطْفَال ازدحاما على النهب ثمَّ تجاوزوا هَذَا كُله إِلَى حفر الْبيُوت على الدفائن فوقعوا بِسَبَب ذَلِك على أَمْوَال طائلة وَلما رَأَوْا ذَلِك قبضوا على أعيانهم وتجارهم وصادروهم بِالضَّرْبِ والنكال ليدلوهم على مَا دفنوه من المَال وَمن عِنْده يَهُودِيَّة حسناء حالوا بَينه وَبَينهَا حَتَّى يفتديها بِالْمَالِ وَكَانَ هَذَا الْحَادِث الْعَظِيم فِي الثَّالِث عشر من رَمَضَان سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف وَلما فرغوا من الْيَهُود التفتوا إِلَى أهل فاس فَاسْتَاقُوا السَّرْح وبهائم الْحَرْث والجنات وَمنعُوا الدَّاخِل وَالْخَارِج فَقَامَ بفاس هرج عَظِيم وغلقوا الْأَبْوَاب ومالوا على من وجدوه من الودايا دَاخل الْبَلَد فأوقعوا بهم ونهبوهم وَحمل النَّاس السِّلَاح ونقلت البضائع والسلع من الْأَسْوَاق إِلَى الدّور خوفًا عَلَيْهَا وَاجْتمعَ أهل الْحل وَالْعقد مِنْهُم فعينوا من يقوم بأمرهم فَقدم اللمطيون رجلا مِنْهُم يُقَال لَهُ الْحَاج أَحْمد الْحَارِثِيّ وَقدم أهل العدوة رجلا مِنْهُم يُقَال لَهُ قدور المقرف وَقدم أهل الأندلس رجلا مِنْهُم يُقَال لَهُ عبد الرَّحْمَن بن فَارس فضبطوا الْبَلَد وبينما هم كَذَلِك قدم عَلَيْهِم جمَاعَة من أَعْيَان الودايا وتلافوا أَمرهم مَعَهم والتزموا رد مَا نهبوه لَهُم من السَّرْح وَمَا نهب فِي جملَة أَمْوَال الْيَهُود مِمَّا كَانَ يصنع عِنْدهم فخمدت بذلك نَار الْفِتْنَة بعض الشَّيْء”.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button