أخبارثقافة و فن

الملحون بين السينما والتغليط الإعلامي قراءة نقدية تصحيحية

بقلم/عبد الله دكدوك

الحمد لله الذي منحنا نعمة النقد والانتقاد حينما يستدعي الأمر ذلك وألهمنا شجاعة الاعتذار، إن زلت أقلامنا أو استندنا إلى مصادر مضللة كنا نعھدھا صادقة فالنقد البناء هو جوهر الإبداع والتطوير وهو الوسيلة الأمثل لصون التراث وحمايتھ من التشويھ لكن عندما يكون النقد قائما على معطيات غير دقيقة يصبح لزاما علينا تصحيحه.

-مدخل بين النقد والتراجع عن الخطأ
في الحلقة الثانية عشرة من برنامجنا الرمضاني نفحات رمضانية والتي نعيد صياغتھا اليوم باسلوب تصحيحي تناولت موضوعا أثار استيائي إذ تبادلت بعض المنصات أخبارا زائفة تدعي أن القناة الثانية2M قدمت برنامجا تلفزيونيا يتناول الملحون بأسلوب مغلوط وقد بنيت موقفي حينها على فيديو منشور فكتبت مقالا ناقدا لاذعا دفاعا عن هذا التراث المغربي الأصيل لكن وبعد مكالمة تنويرية من أحد أعلام الأدب والفن في المغرب تبين لي أن ما استندت إليھ لم يكن سوى مقطع من فيلم سينمائي وليس برنامجا توثيقيا عن الملحون وهنا وجب التصحيح.

الملحون جوهرة التراث المغربي اللامادي
قبل الخوض في تفاصيل النقاش لا بد من التأكيد على مكانة فن الملحون في الموروث المغربي فهو ليس مجرد شعر شعبي يغنى بل هو سجل شفهي زاخر بتفاصيل المجتمع المغربي منذ قرون الملحون يجسد لغة الشارع لغة الحرفيين لغة الصوفية والعلماء لغة الحب والوجدانيات وحتى لغة السياسة والاحتجاج في بعض محطاته.
ما كان الملحون يوما خارج أصالته ولا كلامه كلام ابتذال

  • من يحمي هذا الفن؟
    لم يكن الملحون يوما لغة سفاهة أو تفاهة بل هو إرث مغربي أصيل حملھ شيوخ كبار بحكمة وإبداع لكن اليوم يواجھ خطر الدخلاء الذين يدعون المشيخة بلا علم وأصحاب الشكارة الذين يستغلونه لمصالح شخصية.
    كيف يهمش أهل الملحون الحقيقيون بينما يفسح المجال لمن يجهلون حتى قواعده؟ كيف تباع الألقاب ويشترى النفوذ في مهرجاناته؟
    الملحون ليس تجارة ولا بطاقة عبور نحو الشهرة بل أمانة تحتاج إلى حراس أوفياء سيبقى الفن وسيرحل المتسلقون.
    من معالمه واعلامه
    فالنمادج كتيرة وكتيرة جدا
    مثلا من القصائد المكناسية يمكن الإشتغال عليھا سنيمائيا
    قصيدة : الخاتم
    قصيدة : الحجام
    وهما للشاعر حمود بن ادريس القصراوي.
    وما احوجنا ان نشتغل على ديوان سيدي عبد القادر العالمي و المتميز بالحكم و العادات والتقاليد المغربية.
    كذالك لنا شعراء كبار يجب علينا ان نعمل على التعريف بهم سنيمائيا ومنهم الفقيھ العميري الشيخ بنعيسى الدراز مولاي عبد العزيز العبدلاوي مولاي احمد الدلال ابا عزيزي سيدي احمد أكومي العربي المكناسي…. و اخرون رحمهم اللھ جميعا وحفظ المولى جنود هذا الفن في كل بقاع العالم
    كما وتزخر مدينة مكناس بتاريخ حافل في فن الملحون حيث أنجبت العديد من الأعلام الذين أثروا هذا اللون الشعري والموسيقي الاصيل وأسهموا في ترسيخ مكانتھ كجزء أصيل من الموروث الثقافي المغربي ومن بين هؤلاء:
    الحاج الحسين التولالي (1924-1998)
    وھو أحد أبرز شيوخ الملحون في المغرب وأحد أبناء مكناس البررة لهذا الفن اشتهر بأدائھ الفريد وإحساسھ العميق بالكلمة واللحن
    ساهم في نشر الملحون خارج المغرب وجعل اسمھ مرادفا لهذا الفن الأصيل الشيئ الذي قام بھ ويقوم بھ الى يومنا ھذا سفير الملحون الصوت الملحوني الكرواني سعيد المفتاحي الذي كان اول من دعى الى تاسيس معھد لجمع ھذا الموروث وساھم ولايزال بقسط كبير بتسيخ ھذا الموروث بالديار الاوربية عمليا ولا اعتبرھ منشدا فقط فھو شاعر ملحوني وباحث لھ وزنھ في ھذا المجال ما اعطاھ بجدارة واستحقاق لقب سفير الملحون
    وكذلك استحضراسم محمد السفريوي من رواد فن الملحون في مكناس وأحد الذين حملوا راية هذا الفن لعقود
    عُرف بأسلوب المتميز في الإلقاء والإنشاد كما كان مرجعا في فهم مقامات الملحون وقواعدھ
    الحاج إدريس الروحي اسم آخر في سجل شيوخ الملحون المكناسيين
    تميز بإلمامھ الكبير بالقصائد الكلاسيكية وتقديمھ لها بأسلوب يحافظ على أصالتها.
    محمد بوعمرية وكان شاعرا وناقدا في فن الملحون ساهم في الحفاظ على العديد من النصوص الملحونية وتوثيقها
    عبد العزيز التازي كان من المنشدين المميزين في الملحون المكناسي اشتهر بصوتھ القوي وإتقانھ للطبوع التقليدية
    اما عن مكانة مكناس في الملحون
    فلقد كانت من إحدى الحواضر الكبرى التي احتضنت فن الملحون إلى جانب فاس ومراكش وسلا ومولاي ادريس زرھون
    كما اشتهرت مكناس بزواياها وتجمعاتها الفنية حيث كان فن الملحون يؤدى في المناسبات والاحتفالات الكبرى وفي بعض المقاھي التقليدية
    كما ساهم العديد من شعراء المدينة في إثراء القصيدة الملحونية التي كانت تعكس هموم المجتمع وقضاياھ بروح إبداعية فكرية فريدة.
    اما عن دور دور المكناسيين في نشر الملحون فقد ساهم أعلام مكناس في نقل الملحون إلى الأجيال اللاحقة سواء من خلال الزوايا أو المجالس الفنية أو عبر التسجيلات الإذاعية والتلفزيونية وبفضل جهودهم ظل الملحون المكناسي حاضرا بقوة في الساحة الوطنية والدولية رغم التحديات العصيبة التي يواجهها هذا الفن في وقتنا الراھن ليبقى دور أعلام الملحون المكناسيين أساسيا في الحفاظ على هذا التراث العريق ولكن التحدي اليوم هو كيف يمكن للأجيال الجديدة أن تحملھ بنفس الأمانة والوفاء بعيدا عن الاستغلال والابتذال حتى يظل الملحون نورا يشع من مكناس إلى العالم.
    ولكل مدينة اعلامھا واقطابھا وغيرهم من الأسماء التي حفرت بصمتها في هذا اللون الفني ونجدھ حاضرا بقوة في المناسبات الدينية خاصة في مدن مثل فاس مكناس مراكش وسلا وزرھون وتارودانت كما سلف الذكر وللتاكيد حيث يتردد صدى قصائدھ في الزوايا الصوفية والمجالس الثقافية وبعض المحافل الاسرية والترفيھية..
    واعرج ھنا لاتحدث قليلا عن مجال السينما والملحون والعلاقة الوليدة التي تحتاج إلى رعاية سامية
    على الرغم من القيمة الرفيعة للملحون فإن السينما المغربية لم تحتضنھ بالشكل الكافي وربما هذا ما يبرر ردود الفعل الغاضبة أحيانا تجاھ أي تناول سينمائي لھ لكن هل يجب أن نرفض أي مبادرة سينمائية تتناول الملحون فقط لأنها لم تكن دقيقة مئة بالمئة؟
    الحقيقة أن السينما بكونها فنا بصريا قائما على التخييل والدراما قد لا تستطيع دائما نقل التراث بحذافيرھ لكنها قادرة على إعطائھ دفعة جديدة نحو جمهور أوسع الطيب الصديقي رائد المسرح المغربي كان من أوائل من حاول دمج الملحون في العروض المسرحية الحراز نمودجا التي كتبھا للمسرح الراحل عبد الشلام الشرايبي ومن بعده جاءت مبادرات أخرى مثل ط تجربة جيل جيلالة مع الراحل الحاج الحسين التولالي حين تعاونوا على تخليق تلاقح فني بديع صحيح التجربة خلقت نوعا من الجسور بين الجيل الجديد وهذا الفن العريق الا انھا تركت بعض الانتقادات التي تم تجاوزھا مع الايام
    وفي السنوات الأخيرة بدأت بعض المحاولات السينمائية لكن ما زال الطريق طويلا قد تكون بعض الأعمال وقعت في مجسات تاريخية أو فنية لكن الأهم هو أن نوجھ هذھ الجهود بدلا من محاربتها فالأخطاء قابلة للتصحيح أما إقصاء الملحون من السينما فهو خسارة مؤكدة
    ضرورة رؤية استراتيجية لمستقبل الملحون سينمائيا
    لكي يلعب الملحون دورا في السينما المغربية لا بد من التعامل معھ باعتبارھ مادة خاما قابلة للتطوير وليس مجرد إرث جامد يستهلك وعلينا أن نتساءل
    لماذا لم نر بعد فيلما مغربيا ضخما يستلهم قصائد الملحون ويحولها إلى دراما تاريخية؟
    لماذا لا يتم الاشتغال على سيناريوهات تحاكي شخصيات وأحداث قصائد الملحون مثل قصيدة دامي شرادة لسيدي قدور العلمي أو البراقية السمعة حمان المرسول وغيرهاكتير؟
    لماذا لا يتم إنجاز أفلام وثائقية تقدم للجمهور هذا الفن بطريقة حداثية تجذب الشباب؟
    فرنسا على سبيل المثال قدمت أفلاما مستوحاة من الشعر الفرنسي القديم وأمريكا صنعت أفلاما حول قصائد والت ويتمان وإدغار آلان بو فلماذا لا يكون لدينا عمل ضخم يحاكي تجربة الطيب الصديقي أو يتناول شخصية مثل الحاج الحسين التولالي بأسلوب سينمائي راق؟
    مكناس والملحون إلى متى يبقى الجمود؟
    أختم بهذا التساؤل الذي يخص مدينة مكناس وهي واحدة من عواصم الملحون المغربي لماذا لم نر عملا سينمائيا يوثق علاقة مكناس بالملحون؟ لماذا تبقى المبادرات الفردية معزولة في وقت نرى فيھ مدنا أخرى مثل مراكش وفاس تطور مشاريع ثقافية تحتفي بتراثها؟
    لا يمكن لمكناس أن تبقى خارج هذا المسار خاصة أن لها مخزونا هائلا من القصص والأساطير المرتبطة بالملحون وقامات فنية تستحق الاحتفاء بها المشهد السينمائي اليوم يحتاج إلى رؤية جادة لا إلى مزيد من الخلافات والهجمات المتبادلة فلنعمل على إطلاق مشروع سينمائي يوثق تراث الملحون المكناسي بدلا من الاستمرار في دوامة الجدل العقيم
    كلمة أخيرة الإنصاف قبل الهجوم
    لقد كنت قاسيا في نقدي الأول بناء على معلومات مغلوطة واليوم أجد نفسي مضطرا لتصحيح المسار لا يزال لدي ملاحظات حول بعض الأخطاء التي وردت في الفيلم لكنني أدركت أن الغاية منھ لم تكن الإساءة إلى الملحون بل على العكس ربما يكون بداية لمسار جديد ينبغي دعمھ وتقويمھ لا محاربتھ
    إن مستقبل الملحون في السينما لن يتحدد بعمل واحد بل بحجم الوعي الذي نملكھ حول كيفية توظيفھ سينمائيا فلنكن عقلاء في نقدنا ولنركز على البناء لا الهدم ..

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تفقد أيضا
Close
Back to top button