قصص و شخصيات

الرابع عشر من رمضان: في مثل هذا اليوم صدرت أول صحيفة ناطقة باللغة العربية في المغرب

شهد القرن التاسع عشر بداية دخول التجربة الصحفية الأوروبية إلى العالم العربي والإسلامي، بما في ذلك المغرب، وكان الإسبان أول من أصدر صحيفة في شمال البلاد، حيث صدرت صحيفة “أل ليبرال أفريكانو” (الإفريقي الحر) باللغة الإسبانية في الأول من ماي 1820م، ولم تكن الصحف في هذه المرحلة من إنتاج المغاربة أنفسهم، بل كانت تدار من قبل أفراد من الجالية الغربية المقيمة بالمغرب.

وتعتبر جريدة “المغرب” أول جريدة عربية تصدر في المغرب، حيث أصدرها الصحفيان عيسى فرح (أو عيسى فارش كما سيأتي) وسليم كسباتي (أو كسباني) في مدينة طنجة، وصدر العدد الأول منها في مثل هذا اليوم من رمضان الذي وافق يوم الأربعاء 14 رمضان 1306هـ الموافق 15 مايو 1889م.

وقد أجرى المؤرخ العلامة محمد المنوني تحقيقا حول هذه التجربة الصحفية في كتابه مظاهر يقظة المغرب الحديث، فأثبت أن الجريدة كانت تحمل اسم “المغرب” وتعتبر نفسها أول جريدة عربية تطبع في المغرب، وكانت تصدر في طنجة مرة واحدة أسبوعيا، وقد ورد في خاتمة العدد الأول أسماء أصحاب الجريدة، وهم: عيسى – كلارجى – كسباني، وفي عدد آخر منها كتب –في طليعة الجريدة- أسماء أصحابها هكذا: عيسى فرج، وسليم كسبانى، وكانت هذه كلها أسماء مستعارة، وأشار المنوني إلى أنه لم يعثر سوى على عددين من هذه الجريدة: العدد الأول المحفوظ في مكتبة مؤرخ تطوان العلامة محمد داود، والعدد الثاني المحفوظ في مكتبة المنوني نفسه، وهو العدد الحادي عشر والصادر في 4 ذي الحجة 1306هـ الموافق 3 غشت 1889م.

وكانت قيمة الاشتراك في الجريدة بحسب ما أورد المنوني: في طنجة عن عام خمسين بليونا، وعن نصف عــام ثلاثين بليونا، وفي الجهات الاخرى عن عام ستين بليونا، وعن نصف عام خمسة وثلاثين، وثمن النسخة الواحدة بليون واحد. (البليون عملة فضية كانت تستعمل في المنطقة المتأثرة بالوجود الإسباني).

ووصف المنوني شكل العدد الأول من الجريدة بأنه كان من حيث الحجم من فئة: 405 × 257 مم. وعدد صفحاتها أربعة، في كل صفحة ثلاثة أعمدة، وليس بها رسوم.

أما عن خطة الجريدة (الخط التحريري بلغة اليوم) فإنها تعلن عن نفسها بحسب نفس المصدر بأنها: إخبارية أدبية علمية، وقد وضحت خطتها أثناء الافتتاحية المطولة للعدد الأول التي جاء فيها: “وإذ كانت هذه البلاد مفتقرة الى جريدة عربية اللغة والمشرب، لنشر الأنباء الحقيقية، والحقائق العلمية، والاستنباطات المستحدثة الصناعية التي من شأنها ترقية منزلة البلاد، بأن تثير في رؤوس أهلها نار الحمية العربية، وتدب فيهم النخوة الوطنية، وتنهض همم الرجال، من حضيض الإهمال: إلى التدرج في مراقي الكمال، لكي يسعوا في إصلاح حالة بلادهم، باذلين النفس والنفيس في درء المفاسد عنها، وجلب المنافع إليها، وكل ما يعود إلى رفع رتبتها، عاملين على مكانتهم في مجاراة بقية البلدان مضمار النجاح والقوة، ومجال العلوم والصناعات، وتوسيع دائرة التجارات، حتى ينتصر فيها أناس ذوو غيرة وطنية، يذبون عن مصالح بلادهم، ويحومون عن حقوقها، يدافعون عن الحق ولا يرهبون فيه لومة لائم، وتذكرهم أيضا بما حازوا من قصب السباق في ميدان التقدم والرفعة فيما سلف من العصور، وأحرزوا من المجد والشرف فيما كر من الايام، وغبر من الأعوام . . . “.

ولئن كانت أكثر المصادر تورد اسم عيسى فرح كرئيس تحرير وواحد من مؤسسي جريدة “المغرب” باعتباره صحفيا مشرقيا من سوريا، فإن مجلة هيسبيريس الفرنسية التي كانت تصدر رأس كل سنة (حولية) عن ما كان يسمى معهد الدراسات المغربية العليا، أوردت في عددها سنة 1954 أن المحرر المذكور لم يكن سوى الصحفي الإنجليزي المقيم آنذاك في طنجة بودجيت ميكين Budgett Meakin والذي كان يكتب تحت اسم مستعار هو عيسى فارش Aïsa Farech تفاديا للإحراج الذي يمكن أن تسببه مقالاته إذا ما باللغة الإنجليزية بالنسبة للبعثات الديبلوماسية الغربية، كما تستنتج المجلة أن ثمة خلطا وقع لبعض المصادر بين اسم عيسى فارش الذي استعاره “ميكين” واسم عيسى فرح الصحفي السوري الذي كان يعمل مراسلا لجمعية الكتاب المقدس البريطانية الأجنبية في طنجة.

المصادر:

  • محمد المنوني، مظاهر يقظة المغرب الحديث، الجزء الأول، منشورات الجمعية للتأليف والترجمة والنشر، ص 358-363  
  • مجلة “هيسبريس” الفرنسية عدد سنة 1954.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button