أخبارعين العقل

بھاليل.. في المجامع الثقافية

بقلم: الاستاذ مولاي الحسن بنسيدي علي

في العديد من الملتقيات الأدبية والفكرية، حيث يُفترض أن يكون الفضاء مُخصصًا لتبادل الرؤى وإثراء العقول، يتكرر مشهدٌ يبعث على الاستياء والقلق: محاضرٌ استُدعي ليُحاضر أو يناقش موضوعًا ذا قيمة، لكنه يجد نفسه أمام قاعة يملأها بعض الحاضرين الذين لا يُبدون أي اهتمام حقيقي بما يُقال، فتراهم منشغلين بهواتفهم أو في أحاديث جانبية لا تمتّ بصلة لموضوع اللقاء.

هذا السلوك لا يقتصر ضرره على المحاضر الذي يضطر إلى التوقف مرارًا، متأثرًا بالتشويش، بل يمتد أثره إلى رئيس الجلسة الذي يُجبر على التدخل المتكرر، وإلى الجمهور الجادّ الذي جاء للاستفادة، لكنه يجد نفسه وسط أجواء من الفوضى تضعف تركيزه وتُشوّش على استيعابه.

مما يظھرالوجه القاتم للمظاهر الفارغة
والأدهى من ذلك أن بعض هؤلاء غير المهتمين، الذين لم يُنصتوا أصلًا للنقاش، يُصرّون على طلب المداخلة عند فتح باب النقاش، ليس لإبداء رأي ناضج أو تقديم إضافة قيمة، بل فقط لأخذ الصور أو تسجيل مقاطع تُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وكأن الغاية من حضورهم ليست إلا استعراضًا للذات لا علاقة له بجوهر الفكر أو الحوار.

هذه الظاهرة، وإن بدت عَرَضية في ظاهرها، تكشف عن إشكالية ثقافية أعمق، تتمثل في تحول بعض الملتقيات من ساحات للفكر والتفاعل الحقيقي إلى مجرد مناسبات اجتماعية تُستغل لمآرب شخصية، حيث يُستبدل جوهر المعرفة بجلبة الأضواء الخادعة، ويصبح التفاعل الجاد استثناءً وسط مشهد يغلب عليه التظاهر والسطحية.
مثل هذه السلوكيات تُفقد اللقاءات قيمتها، إذ يشعر الضيوف من مفكرين، باحثين، وأدباء بأن جهدهم يذهب أدراج الرياح أمام مستمعين لا يعبأون إلا بما يخصّهم شخصيًا، مما يجعل بعضهم يُحجم مستقبلاً عن المشاركة في مثل هذه الفعاليات، فتخسر الساحة الفكرية أصواتًا مهمة. كما أن الجمهور الجاد يفقد تدريجيًا الحافز لحضور مثل هذه الملتقيات إذا لم يجد فيها الجو الهادئ والمناسب الذي يسمح له بالاستفادة والانخراط الفعلي في النقاش.

إذا كنا نطمح إلى ملتقيات فكرية وأدبية تُحقق أهدافها الحقيقية، فلا بد من إعادة ترسيخ ثقافة احترام الكلمة والإنصات الجاد، ليس فقط تقديرًا للمحاضرين، بل أيضًا حفاظًا على جوهر الحوار والتفاعل الفكري. على الحضور أن يدرك أن وجودهم في هذه الملتقيات مسؤولية أخلاقية قبل أن يكون مجرد حضور جسدي. كما أن على منظّمي الفعاليات أن يضعوا ضوابط واضحة تكفل بيئة حوارية سليمة، تُصان فيها هيبة الفكر من التشويش والاستعراض الفارغ لبھاليل..

في النهاية، الملتقيات الأدبية والفكرية ليست مجرد تجمعات اجتماعية، بل هي فضاءات يُبنى فيها الوعي، ويُصقل فيها الفكر. فإما أن نحترمها ونعمل على إنجاحها، أو نتركها تنهار تحت وطأة السطحية التي تُفرغها من معناها الحقيقي.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button