خامس عشر رمضان: تحرير مشروع أول دستور في تاريخ المغرب

في مثل هذا اليوم من رمضان، الأحد خامس عشر من الشهر المعظم من سنة 1326 هـ / 1908 م، تم الانتهاء من صياغة مشروع أول دستور في تاريخ المغرب، وكان أول من تحدث عن هذا المشروع جريدة « لسان المغرب التي كانت تصدر بمدينة طنجة، حتى عرف المشروع تاريخيا بدستور لسان المغرب.
وشكل وصول السلطان عبد الحفيظ إلى سدة الحكم في المغرب سنة 1908 لحظةً تاريخية أثارت آمالا كبيرة لدى العديد من الوطنيين المغاربة، فقد اعتقد البعض أن حكمه سيرسخ نهائيا فكرة الإصلاح، خاصة بعد قبوله “البيعة المشروطة” التي أظهر من خلالها حزما وعزما لم يعهد في عهد أخيه السلطان عبد العزيز، ومع تزايد الضغوط الاستعمارية على المغرب، ازداد إلحاح بعض رجال الرعيل الأول من الوطنيين على ضرورة تحديث وعقلنة مرافق الدولة لمواجهة الخطر الخارجي. وكان مشروع الدستور الذي نشرته جريدة “لسان المغرب” في أكتوبر 1908 أحد أبرز المحاولات لتحقيق هذه الغاية.
بعد تولي السلطان عبد الحفيظ الحكم، واجه تحديات داخلية وخارجية جسيمة، فمن جهة، كانت الإيالة الشريفة تعاني من أزمات مالية وإدارية عميقة، ومن جهة أخرى، كانت القوى الاستعمارية، متجسدة في فرنسا وإسبانيا، تزيد من ضغوطها للسيطرة على المغرب، وفي هذا السياق، برزت دعوات إصلاحية من قبل نخبة مغربية متأثرة بروح النهضة المشرقية وواعية بالتغيرات الدولية، سعت إلى تحديث الدولة وحمايتها من الانهيار.
وضم مشروع الدستور الذي نشرته صحيفة “لسان المغرب” في أكتوبر 1908 بين صفحاته 93 مادة موزعة على أبواب موضوعاتية عديدة، منها:
– الدولة والدين والسلطان: حيث تم التأكيد على دور السلطان كشخص مقدس ورمز للوحدة الوطنية.
– أبناء الدولة الشريفة: تناولت هذه المواد حقوق وواجبات المواطنين.
– مجلس الشرفاء: كمؤسسة تشريعية استشارية.
– كبار الموظفين: تنظيما للإدارة المركزية.
– مالية الدولة ورواتب الموظفين: محاولة لتنظيم الموارد المالية.
– الحماية الأجنبية: في إشارة إلى التهديدات الخارجية.
– المدارس الوطنية: وهي دعوة لتحديث التعليم.
ورغم أن مشروع الدستور كان يعكس جزءا من آمال النخبة المغربية، إلا أنه حمل في طياته العديد من المفاهيم الحديثة التي كانت غريبة على السياق المغربي آنذاك، مثل:
– المواطنة والمساواة: حيث حاول المشروع تعزيز فكرة الانتماء الوطني.
– عقلنة الإدارة: من خلال تنظيم العمل الإداري وربط المسؤولية بالمحاسبة.
– انتخاب الممثلين: كخطوة نحو مشاركة شعبية محدودة في الحكم.

وبحسب المؤرخ محمد نبيل ملين في كتابه “فكرة الدستور في المغرب”، فإنه على الرغم من هذه المفاهيم التقدمية، يظل مشروع الدستور محافظاً حتى بمقاييس ذلك العصر. فقد منح السلطان سلطات شبه مطلقة، معتبراً إياه شخصاً مقدساً لا يمس، مما يعكس استمرارية النموذج التقليدي للحكم في المغرب، هذا التحفظ جعل المشروع يفتقر إلى التوازن بين سلطات الحاكم وحقوق المحكومين.
وقد رفض السلطان عبد الحفيظ فكرة مشروع الدستور بشدة، معتبرا أنه يحد من صلاحياته المطلقة، وكان هذا الرفض متوقعا في ظل النظام السياسي المغربي الذي كان يعتمد على مركزية السلطة في شخص السلطان، كما أن رفضه يعكس تخوف النخبة الحاكمة من أي تغيير قد يضعف سيطرتها على مقاليد الأمور.
ويمثل مشروع دستور 1908 محاولة مبكرة لإصلاح النظام السياسي المغربي في ظل التحديات الداخلية والخارجية، ورغم أنه لم يرَ النور، ولا تعرف بالضبط هوية واضعيه، إلا أنه عكس وعيا متناميا لدى النخبة المغربية بضرورة التحديث لمواجهة التهديدات الاستعمارية، كما يبرز الصراع بين التقاليد السياسية المغربية والمفاهيم الحديثة التي كانت تفرضها متغيرات العصر، ويعتبر هذا المشروع وثيقة تاريخية مهمة لفهم مسار الإصلاح في المغرب في بداية القرن العشرين.