سادس عشر رمضان: عندما أصبح أهل فاس من أصحاب الفيل

يوم الإثنين السادس عشر من رمضان سنة 1007 هـ/1599 م، تجمع أهل حضرة فاس لمشاهدة فيل من فيلة السلطان أحمد المنصور السعدي، التي أتى بها من بلاد السودان (مالي وغرب إفريقيا حاليا)، وشهد الواقعة تجمع كبير من السكان قدر بمائة ألف شخص، إذ ليس من عادة المغاربة أن يشاهدوا الفيلة، التي لا يكاد يعرف دليل تاريخي على وجودها في المغرب على الرغم من انتشار هذه الفصيلة من الحيوان في كثير من بلدان القارة الإفريقية، ومن شدة ابتهاج سكان فاس بالحدث فقد سموا عامهم ذلك بعام الفيل، وأضحى تاريخا يؤرخ به أهل المنطقة لتلك الحقبة.
وكان أحمد المنصور قد قام بحملة عسكرية واستكشافية شهيرة إلى الغرب الإفريقي، مكنته من توسيع نفوذ الدولة السعدية وتنمية مواردها، وعند عودته سنة 1001 هـ قصد مدينة مراكش التي دخلها بالآلاف من الهدايا والغنائم التي كان من بينها مجموعة من الفيلة، وخرجت مراكش عن بكرة أبيها لاستقبال السلطان في موكبه المبهر، وفي ذلك يقول صاحب الاستقصا: “وَفِي سنة إِحْدَى وَألف أُتِي بالفيلة من بِلَاد السودَان إِلَى الْمَنْصُور وَكَانَ يَوْم دُخُولهَا لمراكش يَوْمًا مشهودا برز لرؤيتها كل من بِالْمَدِينَةِ من رجال وَنسَاء وشيوخ وصبيان ثمَّ حملت إِلَى فاس فِي رَمَضَان سنة سبع وَألف قَالَ فِي نشر المثاني كَانَ دُخُول الْفِيل إِلَى فاس يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشر رَمَضَان سنة سبع وَألف وَبعث الْمَنْصُور مَعَ الْفِيل إِلَى وَلَده الْمَأْمُون بهدية سنية فِيهَا تحف وأموال عريضة وَخرج أهل فاس فِي ذَلِك الْيَوْم للقاء الْفِيل بِنَحْوِ مائَة ألف نفس”.
ثم يورد الناصري معلومة في غاية الدقة والغرابة أيضا، مفادها أن المغاربة لم يعرفوا بنبات التبغ الذي تصنع منه السجائر، إلا مع دخول تلك الفيلة إلى المغرب، قال المصنف: ” قَالَ بَعضهم وبسبب دُخُول هَذِه الفيلة إِلَى الْمغرب ظَهرت هَذِه العشبة الخبيثة الْمُسَمَّاة بتابغ لِأَن أهل السودَان الَّذين قدمُوا بالفيلة يسوسونها قدمُوا بهَا مَعَهم يشربونها ويزعمون أَن فِيهَا مَنَافِع فشاعت مِنْهُم فِي بِلَاد درعة ومراكش وَغَيرهمَا من بقاع الْمغرب وتعارضت فِيهَا فَتَاوَى الْعلمَاء رضوَان الله عَلَيْهِم فَمن قَائِل بِالتَّحْرِيمِ وَمن قَائِل بالتحليل ومتوقف وَالْعلم فِيهَا عِنْد الله سُبْحَانَهُ”.
المصادر:
كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى – أبو العباس أحمد بن خالد الناصري.
نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني – محمد بن الطيب القادري.
نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي – محمد الصغير الإفراني.