التاسع عشر من رمضان: عندما دعا الحسن الثاني في الدروس الحسنية إلى المصالحة بين موريتانيا والسنغال

في التاسع من أبريل سنة 1989م الذي وافق يوم الثالث من رمضان 1409هـ، اندلعت اشتباكات حدودية دامية بين مزارعي قرية دياوارا في السنغال ورعاة قرية سونكو في موريتانيا، مما أسفر عن مقتل مواطنين سنغاليين وإصابة عدد آخر، فضلا عن احتجاز ثلاثة عشر مواطنا سنغاليا في موريتانيا لمدة 48 ساعة، وشكلت هذه الحادثة الشرارة الأولى لصراع أوسع تطور إلى حرب استمرت حتى صيف عام 1991، ومع اندلاع التوتر، لجأت دول الجوار إلى التدخل بجهود وساطة مكثفة بهدف وضع حد للنزاع وإعادة الاستقرار إلى المنطقة.
وبحكم مكانته الاعتبارية الرمزية والسياسية، فقد كان المرحوم لملك الحسن الثاني في طليعة قادة الدول الذين بادروا إلى طرح مبادرات للصلح بين البلدين، ولم يكن قد مر وقت طويل على تأسيس اتحاد المغرب العربي بتاريخ 17 فبراير 1989، الذي ضم موريتانيا كإحدى دوله الأعضاء الخمسة. ما طرح التساؤل من لدن المراقبين حول مدى قدرة الاتحاد ككيان إقليمي على دعم موريتانيا ومساندتها في أزمتها مع السنغال، وبدأت الدول الأعضاء في الاتحاد بالفعل في اتخاذ خطوات للتوسط من أجل التوصل إلى تسوية للأزمة.
وبعد مرور أسبوعين على اندلاع الصراع، استغل الملك الحسن الثاني، الدرس الديني الحادي عشر من الدروس الحسنية، الذي ألقاه يوم الثلاثاء 25 أبريل 1989 الموافق لـ19 رمضان 1409، ليوجه نداء إلى الدول العربية والإسلامية يدعو فيه إلى وضع حد للنزاع بين السنغال وموريتانيا، خاصة وأن القتال كان مستمرا في شهر رمضان المبارك. كما استغل هذه المنصة ليوضح موقف اتحاد المغرب العربي من الأزمة، مؤكدا أهمية الوساطة والتعاون الإقليمي لحل النزاعات بين أعضائه.
وتناول العاهل الراحل الكلمة قبل بداية الدرس فقال: “فقبل بداية الدرس الحسني الحادي عشر لتلك السنة، طلب الحسن الثاني الكلمة وخاطب الحضور قائلا: “قبل أن تشرعوا في الدرس، نريد أن نتوجه أولا إلى أصحاب المعالي سفراء الدول العربية والإسلامية الجالسين هنا، ولأسرة العلم وأسرة الإسلام، لتوجه نداء إلى إخواننا في موريتانيا وفي السنغال حتى يحترموا على الأقل حرمة هذا الشهر، تاركين للأعصاب أن يسودها الهدوء، وللعقول أن تتغلب عليها الحكمة، وللدور السياسي لقادة المغرب العربي الكبير أن يتدخلوا لدى الجميع، أقول لدى الجميع حتى نبقى سنيين حنيفيين في تجمع المغرب العربي الذي هو تجمع سياسي واقتصادي، ولكن لن يكون أبدا محورا عسكريا أو دفاعيا ضد أي كان، وبالأخص في المنطقة”.
ثم تابع الملك الراحل : “فمن هنا باسمكم جميعا نوجه نداء إلى فخامة الرئيس السيد عبده ضيوف وإلى فخامة الرئيس السيد معاوية ولد أحمد الطايع، كما نتوجه إلى الشعوب، لأن المسألة أخاف أن تصبح مسألة ثأر، كل واحد له ثأر على أخيه وصاحبه، فالمطلوب منهم الآن أن يحترموا حرمة هذا الشهر حتى تنزل الحمى، وحتى تتغلب الحكمة على الاندفاع والأهواء، والله يفتح صدورنا جميعا لما فيه الخير وتوحيد صفوف أمتنا وأسرتنا العربية والإسلامية”.