
بقلم/ ربيع كنفودي
يبدو أن عمق مضامين ومعاني المثل المغربي القائل “عش نهار تسمع خبار”، تعكسها حالة التيه الذي تعيش على إيقاعها أحزاب الأغلبية المشكلة للحكومة، وكذا عجائب خرجات البعض منها في الآونة الأخيرة على بعد سنة من نهاية ولايتها. مناسبة هذا الكلام، كما سبقت الإشارة، تصريحات أحزاب الأغلبية الحكومية بخصوص ظاهرة الغلاء التي قهرت الشعب المغربي من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى غرب المملكة المغربية الشريفة، وارتفاع الأسعار التي أصبحت تعرفها العديد من المواد الاستهلاكية وغير المبررة بطبيعة الحال، كما أكدت على ذلك قيادات أحزاب الأغلبية سواء عبر تصريحات في لقاءات، أو من خلال بلاغات إثر انعقاد اجتماعات مكاتبها السياسية.

ها هو حزب الأصالة والمعاصرة، الذي احتل المرتبة الثانية في استحقاقات 2021 وأحد مكونات الأغلبية الحكومية، يخرج في بيان، فيه شن هجومًا لاذعًا على الحكومة، الذي هو أحد مكوناتها وجزء منها، مطالبا الحكومة، أي نفسه، بالتحرك بشكل جاد لمواجهة التحديات الاقتصادية المتزايدة.
وجاءت تصريحات قيادة الحزب التي تتبوأ مناصب وزارية على خلفية ارتفاع الأسعار والصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها العديد من المواطنين، حيث أكد حزب الأصالة والمعاصرة على ضرورة تكثيف الرقابة الحكومية وفرض إجراءات صارمة ضد بعض الوسطاء والمهنيين الذين يستغلون علاقاتهم الشخصية لإثارة الأزمات والاستفادة من المضاربات.
حزب الاستقلال الذي احتل المرتبة الثالثة في انتخابات 2021، ومكون الأغلبية الحكومية، بدوره يعترف بتراجع القدرة الشرائية للمغاربة، والسبب في ذلك حسب تصريحاته، راجع أساسا إلى جشع المستوردين الكبار. وهنا وجب علينا أن نتساءل، من يقصد حزب الإستقلال بالمستوردين الكبار..؟ وهؤلاء اامستوردين من أين جاؤوا هل أمطرتهم السماء، أم هم حلقة في المنظومة الإقتصادية التي يتم تسييرها وتدبيرها من طرف الحكومة الذي يعتبر حزب الإستقلال أحد مكوناتها. موقف حزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الإستقلال، وأنت تسمعه أو تقرأه، حتما تستنتج أن هاته الأحزاب فعلا قريبة من المواطن المغربي تبكي لبكائه وتفرح لفرحه، وهي “مستاءة جدا” لما يقع لهذا المواطن الذي بوأهم الصدارة.
لكن إذا كانت هذه هي الحقيقة، فلماذا لم يفكر كل منها في الإنسحاب من الحكومة، خصوصا وأن دورهم الحالي يتناقض تماما مع مواقفهم حينما كانوا في المعارضة. أما حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة، وحصل على المرتبة الأولى في الإنتخابات.
وفتحت له باب تسيير الشأن العام، بدوره أصبح يلعب دور الضحية، بل بات أحيانا كثيرة يعلق فشله على الحكومات السابقة التي كان جزءا منها، بل كان يتقلد مسؤوليات ومناصب حساسة في هاته الحكومة. حزب التجمع الوطني للأحرار، خرج بدوره من خلال ندوات، يقال أنها ندوات فكرية، يناقش أسباب الغلاء، ويحمل المسؤولية للمضاربين والوسطاء، وتجاهل أن هؤلاء الذين يوجه لهم أصابع الإتهام جزء من المنظومة الإقتصادية التي تسهر الحكومة برئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار على تسييرها، بل الأكثر من ذلك ذهب بعض الوزراء عن طريق سياسة “تخراج العينين”، إلى القول بأن الحديث عن الغلاء هو فخ وأمر مفتعل ضد حزب الحمامة وأحزاب الأغلبية.
فما هو رد هؤلاء الوزراء على أحزاب الأغلبية التي تقر بأن هناك غلاء وارتفاع الأسعار؟ لقد أجمع كل من حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الإستقلال على وجود غلاء، على ارتفاع الأسعار في المواد الإستهلاكية، اللحوم الحمراء، البيضاء، السمك، البيض، المواد الغذائية، لكن في المقابل لزموا الصمت وعدم الخوض في أسعار المحروقات والارتفاع المهول الذي تعرفه مقارنة مع سعر البرميل في السوق الدولي، هذا الصمت بم يتم تفسيره، هل خوف أم ماذا؟ للأسف، ونحن نسمع ونقرأ ونتابع خرجات الأغلبية الحكومية في الآونة الأخيرة، يمكن أن نستنتج بأن المواطن المغربي اليوم، لم يعد يواجه غلاء المعيشة فقط، بل بات يواجه غلاء حتى على مستوى الخطابات السياسية المقدمة، فخطاب الحزب عندما يكون في المعارضة يخالف تماما لموقفه وهو في الحكومة.
أيضا يمكن أن نستنتج أن المواطن المغربي اليوم يجد نفسه أمام حكومة ليس فقط مشكلة بثلاثة أحزاب سياسية، بل أمام أحزاب أغلبية لها ثلاثة وجوه ولها خطابات تقدمها خلال كل مرحلة، والمرحلة التي نعيشها اليوم، هي مرحلة تسويق الخطابات ودغدغة المشاعر، ويبقى السؤال الموجه لهاته الأحزاب السياسية التي تحدثت عن الغلاء وعن الوسطاء والمضاربين: “ما جوابكم على الدعم المقدم لأشخاص من أجل استيراد المواشي.
من هم هؤلاء المستفيدين، كيف تم ذلك، ولماذا لا تتدخل الحكومة في الوقت ذاته للتصدي لأطماعهم؟”…