
رمضان شهر الرحمة والمغفرة، فيه تتطهر القلوب وتسمو الأرواح، فتسجد الجباه خاشعة، وتلهج الألسن بالدعاء، وتغمر العيون بالدموع خوفًا ورجاءً.
إنه شهر تصفو فيه النفوس، وتتوحد الأرواح في مناجاة الخالق، يطلبون العفو والرضا، ويأملون في جنة الفردوس والنظر إلى وجهه الكريم.
لكن الرحمة التي نرجوها في رمضان ليست لحظية، بل ينبغي أن تمتد إلى سائر الأيام والشهور، فاللّه خلق الناس سواسية، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وجعل نشر السلام فريضة على الإنسان، كما جعل له حق الحياة والكرامة.
فكيف نرجو المغفرة ونحمل في قلوبنا الضغينة؟ وكيف نطلب العدل ونحن نظلم إخواننا في الإنسانية؟.
إن مناجاة المظلوم تصل إلى الله قبل أن يرفع يديه، فلا يغفل الله عن دموع يتيمٍ جائع، ولا عن آهات امرأةٍ أُزهقت كرامتها، ولا عن صرخة شعبٍ أُحرق حقوله، وقُتل أطفاله، وشُرد من أرضه.
ومن كان ظالمًا، جائرًا، مستبدًا، لن تنفعه ركعات ولا دعوات، فالله لا يبارك الظلم ولا يرضى بالعدوان.
لذلك، ليكن رمضان نقطة تحول، ليس فقط في العبادة، بل في نشر الخير والسلام، في التسامح بدل العداء، في العطاء بدل البخل، في رفع الظلم بدل الصمت عنه.
فالدين ليس طقوسًا فقط، بل هو حياةٌ تمتلئ حبًا ورحمةً وأمنًا، ونقاءً في السرائر، وإخلاصًا في المعاملات.
لنجعل أيامنا كلها رمضان، نحب بعضنا بعضًا، ننشر الأمن في ربوع الأرض، نكون للناس خيرًا، ونسعى إلى عالمٍ لا يُظلم فيه ضعيف، ولا يُحرم فيه محتاج، ولا يُغتصب فيه حق. حينها، نستحق حقًا العفو والرحمة، ويكرمنا الله بالحسنيين في الدنيا والاخرة.