
أصبحت الجزائر أكبر دولة مساحة بإفريقيا لا بسبب ما ذكرته تعسفا يا أخي مراد علم ، بل أصبحت كما هي عليه الآن لعدة عوامل أهمها أن فرنسا إقتطعت من الأقطار المجاورة للجزائر أجزاء ، وكانت تستهدف من هذا الإقتطاع إنشاء كيان صحراوي مستقل عن الجزائر وعن غيرها ، لتتمكن من إستغلال الثروات البترولية المكتشفة في الصحراء ، ولتستعمل أراضيها لأغراض عسكرية وغير عسكرية وكما يحلو لها على إعتبار أنها لا تشكل جزء من ” الجزائر الفرنسية ” ، وهذا هو الإسم الذي كان الفرنسيون يستعملونه ولا يفصلون الكلمتين عن بعضهما .

وبالنسبة للمغرب وعلاقته بما كانت تعتزم فرنسا القيام به ، ففي إعتقادي أن قادة المغرب كانت يغيب عنهم الوعي بما كان يحاك ، لا في الدوائر الفرنسية فقط ، بل أيضا في دهاليز المخابرات الجزائرية على عهد رئيسه الأول عبد الحفيظ بوصوف صاحب فكرة الجزائر الكبرى .
كما كانت تنقص المغاربة البراغماتية السياسية التي تسبب عدم الأخذ بها فيما لحق بالمغرب من غبن ، وكانت تنقصهم أيضا النظرة المستقبلية لما سيحدث ، والتي كانت تتطلب الحسم في إتخاذ الموقف الذي يضمن للمغرب مصالحه وحقوقه دون الأخذ بأي إعتبارات مهما تكن طبيعتها .
والظاهر أن حسن النية التي أشار إليها المفكر المغربي الدكتور عبد الله العروي ، وكذلك الثقة المبالغ فيها من قبل القادة المغاربة في قادة الثورة الجزائرية ، والشعور بالإرتباط الأخوي بين الجزائر والمغرب ، ورفقة النضال السياسي الذي أعقبه الجهاد المسلح ، ثم فضيلة الوفاء التي تشبع بها الملك المجاهد المغفور له محمد الخامس التي دفعته إلى رفض التفاوض مع فرنسا على الحدود المغربية مع الجزائر ، بحجة أن فرنسا لا تملك حق التفاوض فيما يتصل بعلاقات المغرب والجزائر ، كل ذلك ساهم في ضياع ما كان من الممكن الحصول عليه بشأن الحدود المغربية الجزائرية التي تجرع المغرب بشأنها مرارة ما أصابه من غبن وظلم من فرنسا ، ثم من الإشقاء الذين تنكروا لكل العهود وتناوروا ، لا فقط من أجل تكريس واقع ظالم ، بل إنهم عملوا في الخفاء بتناور ثم في الظاهر بشراسة من أجل حرمانه حتى من إسترجاح صحرائه الأطلسية التي كانت خاضعة للإستعمار الأسباني .
يحتاج هذا الأمر الخطير الذي يرهن مستقبل المغرب الكبير إلى مجال أوسع لتقديم ما يكفي من العناصر لإدراك خلفياته ومضاعفاتها .
لكن يجب أن نشير هنا إلى ما وقع في مؤتمر طنجة المنعقد سنة سنة 1958 والذي جمع ثلاثة أحزاب مغاربية ، وكان من الأهمية بمكان ، ولم يدرك المغاربة كنه موقف وفد جبهة التحرير الوطني .
ومنه إنطلقت فكرة الوسع لدى القادة الجزائريين على حساب المغرب . وفي هذا الموضوع سبق لي نشرت ما تخلل هذا المؤتمر من مواجهة بين الوافدين المغربي والجزائري بحضر الوفد التونسي .
هذه هي بعض الحقائق التي لا جدال فيها والتي كرست ظلما لحق بالمغرب ولا سبيل لرفعه . ولقد كان ظلما قاسيا ينطبق عليه قول الشاعر العربي : وظلم ذوي القربى أشد قساوة من وقع الحسام المهند .
الدار البيضاء 21 مارس 2025