أخبارالرئيسيةسياسة

الحركة الشعبية ومسار بناء البديل السياسي: تحديات ورهانات 2026

الرباط : زهير أصدور

شهدت الرباط، مساء السبت 22 مارس الجاري، لقاءً تنسيقياً وتأطيرياً جمع مختلف المنظمات الموازية والروابط الحركية تحت شعار “الدينامية القطاعية والمهنية ورهان البديل السياسي الحركي.”

يأتي هذا اللقاء في إطار الدينامية التي يشهدها حزب الحركة الشعبية، والتي تهدف إلى إعادة هيكلة العمل الحزبي وتوجيهه لخدمة المواطن والمجتمع.

هذا اللقاء لم يكن مجرد تجمع عابر، بل شكل محطة مفصلية في مسار الحزب، في ظل سياق سياسي واقتصادي واجتماعي دقيق تمر به المملكة. فالزمن الانتخابي يقترب، ولم يعد يفصل عن الاستحقاقات التشريعية لسنة 2026 سوى عام ونصف. هذا المعطى جعل القيادة الحركية، بكل مستوياتها، تطرح الأسئلة الحاسمة: هل البديل الحركي جاهز لمواجهة التحديات القادمة؟ هل الحركة الشعبية مهيأة حقاً لقيادة التحول السياسي المنتظر؟

رئيس الحزب، محند العنصر، بخبرته السياسية العميقة، كان واضحاً في خطابه أمام الحضور. الرجل الذي قاد الحزب لعقود، أكد أن الحركة الشعبية تملك من الكفاءات البشرية والقدرات التنظيمية ما يكفي للرهان على المستقبل، لكنه شدد في المقابل على أن نجاح المشروع الحركي في المحطة الانتخابية القادمة ليس خياراً، بل ضرورة سياسية ومجتمعية.

العنصر أشار إلى أن العائق الأكبر الذي يواجه الحزب ليس ضعف القاعدة الشعبية أو غياب الكفاءات، وإنما التباين الداخلي وغياب التنسيق الفعال بين مختلف مكونات الحزب. ومن هنا، دعا العنصر إلى تجاوز الخلافات وتوحيد الصفوف، لأن الرهان على محطة 2026 يتطلب موقفاً حزبياً موحداً، وانسجاماً داخلياً، لا مجال فيه لحسابات ضيقة أو تنافس شخصي.

أما الأمين العام للحزب، محمد أوزين، فقد اختار لغة مباشرة وقوية، في انتقاد الواقع السياسي والاجتماعي الذي تعيشه المملكة. أوزين لم يخفِ قلقه من المسار الذي اتخذته البلاد خلال السنوات الأخيرة، محملاً الحكومة مسؤولية الفشل في تقديم إجابات عملية على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.

الأمين العام كان دقيقاً في توصيف الوضع، مستنداً إلى أرقام صادمة: “معدل الفقر تضاعف بين 2019 و2025، والحكومة ما زالت تعلق فشلها على كوفيد الذي مر عليه خمس سنوات، وعلى الحرب الروسية الأوكرانية التي لم تعد مبرراً، وعلى الجفاف الذي لم يعد استثناء.” أوزين لم يكتفِ بالنقد، بل قدم رؤية بديلة تقوم على القرب من المواطن، والتفاعل مع همومه الحقيقية.

“القرب من المواطن لا يعني القفة، ولا يعني البحث عن مكاسب انتخابية ظرفية، وإنما يعني أن نكون جزءاً من معاناته اليومية، وأن نقدم له حلولاً واقعية بعيداً عن الشعارات الفضفاضة.” بهذه العبارات، رسم أوزين حدود البديل الحركي، مؤكداً أن الحزب لا يطرح نفسه كخيار سياسي فقط، بل كقوة مجتمعية قادرة على إعادة الثقة في العمل السياسي.

أوزين ذهب أبعد من ذلك، عندما استدل بقرار جلالة الملك محمد السادس إلغاء شعيرة عيد الأضحى، معتبراً أن القرار ليس شأناً دينياً فقط، بل رسالة سياسية عميقة، واعترافاً ضمنياً بفشل الحكومة والمخطط الأخضر. وقال بحدة: “في مغرب المونديال، غاب القطيع عن الجبال.”

الأمين العام استحضر التاريخ، مذكراً بأن إلغاء شعيرة عيد الأضحى في المغرب حدث ثلاث مرات فقط في تاريخ المملكة:

• في 1963 بسبب ظروف استثنائية.

• في 1981 خلال “شهداء الكومير”.

• في 1996، في ما أسماه الملك الراحل الحسن الثاني بـ”السكتة القلبية”.

لكن اليوم، يتم الإلغاء في “مغرب المونديال”، تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة، تعري هشاشة النموذج التنموي وتكشف عن محدودية الرؤية الحكومية في تدبير الملفات الكبرى.

الأمين العام لم يكتفِ بالتحليل السياسي، بل وجه رسائل مباشرة للحركيين، قائلاً: “عندما يتراجع الأذكياء، يحكمنا الأغبياء. إذا لم تتحملوا مسؤوليتكم في تنزيل البديل الحركي، سنترك المجال فارغاً أمام الرداءة السياسية.”

رسالة أوزين كانت واضحة: الحركة الشعبية اليوم مطالبة بخوض معركة استعادة ثقة المواطن، وهي معركة سياسية ومجتمعية في آن واحد. الشارع المغربي يعيش حالة من الإحباط واليأس، في مواجهة ارتفاع الأسعار، وضعف الخدمات الاجتماعية، وانعدام فرص التشغيل. لذلك، البديل الحركي يجب أن يقدم أجوبة ملموسة على هذه الإشكالات، لا أن يكتفي برفع الشعارات.

أوزين شدد على أن النجاح في محطة 2026 لن يكون فقط عبر كسب المقاعد، وإنما عبر تقديم نموذج سياسي جديد، يعيد للمغاربة الثقة في المؤسسات، ويضع حداً لسياسة التبرير الحكومي المستمر.

اللقاء لم يقتصر على الخطابات السياسية، بل كان فرصة لاستعراض عمل الروابط والمنظمات الحركية، التي قدمت حصيلة عمل مكثفة، شملت أنشطة ميدانية، وتدخلات اجتماعية، وتكوينات سياسية. هذا الحراك التنظيمي يعكس أن الحزب بدأ فعلاً في إعادة بناء ذاته من الداخل، من خلال تعزيز الروابط القطاعية، وتوسيع قاعدته الشعبية، وتكوين نخبة سياسية قادرة على تحمل المسؤولية.

لكن العنصر وأوزين معاً كانا صريحين في الإشارة إلى أن هذه الدينامية الحزبية لا تكفي لوحدها. المرحلة المقبلة تتطلب تفعيل البديل الحركي على الأرض، عبر تقديم خطاب سياسي صادق، وتبني مواقف واضحة في القضايا الجوهرية، والاستجابة لتطلعات المواطن المغربي في معيشه اليومي.

الطريق إلى محطة 2026 إذن، لا يبدو معبداً بالورود. الحركة الشعبية اليوم أمام تحد مزدوج: تجاوز الحسابات الداخلية الضيقة، والانفتاح على المواطن بلغة سياسية جديدة، تقوم على الإنصات والفعل الميداني، لا على الخطابات التقليدية.

أوزين كان حاسماً حين قال: “الحركة الشعبية ليست حزباً تقليدياً، نحن لسنا قطيعاً. نحن حزب له مواقفه الخاصة، ومشروعه السياسي المستقل.”

المعركة القادمة ليست فقط معركة صناديق، بل معركة وعي. استعادة الثقة في العمل السياسي، وتقديم بديل سياسي واقعي، هو الرهان الحقيقي الذي سيحدد موقع الحركة الشعبية في المشهد السياسي لما بعد 2026. فهل ينجح الحركيون في هذا الرهان؟ الإجابة ستكون في صناديق الاقتراع، ولكن قبل ذلك، ستكون في قدرة الحزب على تحويل البديل الحركي من شعار إلى واقع ملموس.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button