أخبارالذكاء الاصطناعي AIالرئيسية

تعرف على الوجه الشرير للذكاء الاصطناعي

كُلُّ تَقَدُّمٍ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ بُذُورَ خَطَرٍ جَدِيدٍ؛ فَالتِّقْنِيَةُ الَّتِي تُحَرِّرُنَا قَدْ تَسْتَعْبِدُنَا إِنْ لَمْ نُحِطْهَا بِالْوَعْيِ النَّقْدِيّ – إدغار موران

د. مهدي عامري
خبير في الذكاء الاصطناعي والرقمنة – كاتب – أستاذ باحث بالمعهد العالي للإعلام والاتصال

على مرّ العصور، سعى الإنسان إلى ابتكار أدوات تخفّف عنه أعباء الحياة اليومية: من المحراث إلى الآلة البخارية، من الكتابة اليدوية إلى المطبعة، ومن الشموع إلى الكهرباء. والقائمة تطول.

واليوم، نعيش في زمن تكتسح فيه حياتنا أدوات جديدة لا تكتفي بتحريك الأشياء، بل تفكّر، وتقرّر، وتعيد تشكيل المجتمع.

مرحبًا بك في عالم “الذكاء الاصطناعي”!

اسم لامع وجذّاب، أليس كذلك؟

فعلاً، حين نطالع الإعلانات أو نقرأ المقالات الرائجة، يبدو لنا هذا الذكاء وكأنه وجه الخير القادم من المستقبل: روبوت يبتسم، سيارة تقود نفسها، وتطبيق ينظّم يومك. لكن خلف هذه الواجهة اللطيفة، تكمن قوى تعيد رسم منظومة القيم، ومعنى العمل، بل ومفهوم الإنسان ذاته.

إن التاريخ ليس مجرد تسلسل للأحداث، بل هو سرد لتوزيع السلطات: من امتلك الأرض؟ من سيطر على الذهب؟ من تحكّم في الإعلام؟ أما اليوم، فالسؤال الجوهري هو: من يتحكم في الخوارزميات؟

وقبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بأس من تذكّر حقيقة تاريخية: خلال الثورة الصناعية، استُبدلت العضلات بالآلات. أما في ثورة الذكاء الاصطناعي، فنحن نستبدل العقول بالخوارزميات. وهذا ليس مجرد نقلة إنتاجية، بل تحوّل وجودي. لأن الذكاء الاصطناعي لا يكتفي بتنفيذ المهام، بل يتّخذ قرارات كانت حكرًا على البشر…

من يُوظّف؟ من يحصل على قرض؟ من يُراقَب؟ ومن يُقصى؟
الذكاء الاصطناعي يتولّى هذه المسؤوليات!

وكما أعادت الزراعة تشكيل القرى، وغيّرت الطباعة طبيعة المعرفة، فإن الذكاء الاصطناعي يعيد اليوم رسم ملامح العالم، في المؤسسات، وفي العقول.

وفي هذا السياق، يُجمع الخبراء على أن الذكاء الاصطناعي سيتدخل بعمق في سوق الشغل خلال السنوات القادمة. فبحلول عام 2030، قد تختفي مئات الملايين من الوظائف حول العالم. هذه ليست نبوءة سوداوية، بل استقراء لتقارير اقتصادية رصينة. والسؤال العميق الذي يطرح نفسه هنا هو: ما قيمة الإنسان عندما لا يُطلب منه أن يعمل؟

لقد كان العمل، عبر العصور، أساس الكرامة، والهوية، والاندماج الاجتماعي. فماذا عن مجتمعات لا تحتاج إلى عمّال؟!

المفارقة الصادمة أن الشركات الكبرى تُسوّق هذا التحوّل بوصفه “تقدمًا”، لكنها لا تتحدث عن ملايين البشر الذين ستُعاد صياغة حياتهم دون استشارتهم. وهكذا يتحوّل خطاب الكفاءة والإنتاجية إلى غطاء لمنطق قديم: الإقصاء من أجل الربح. وهذا يعني، بكل بساطة، إنتاج جيوش من العاطلين، واستبدالهم بروبوتات بلا مشاعر.

إذا كان الوجه الشرير الأول للذكاء الاصطناعي هو تسريح العمالة، فإن الوجه الثاني يتمثّل في توظيفه في الحروب.

كيف ذلك؟
في الماضي، كانت الحرب قرارًا بشريًا، يتضمن خيارات الحياة والموت. أما اليوم، فهناك آلات تختار الأهداف، وتُطلق النار، وتُحدّد من يشكّل تهديدًا.

نحن لا نعيش في فيلم خيال علمي، بل في واقع يتشكّل داخل المختبرات العسكرية. فالذكاء الاصطناعي لا يكره، لا يتردد، ولا يشعر بالذنب. وهذا يجعله، في نظر الجنرالات، قاتلًا متسلسلًا مثاليًا. لكن الكارثة ليست فقط في عدد الضحايا، بل في غياب المسؤولية. وبالتالي، من يُحاسَب حين تُخطئ الخوارزمية؟ هل يُعقل أن يُقتل طفل لأن خوارزمية “رأته” تهديدًا محتملاً؟

وكما كانت الجيوش الرومانية تحمل شرعية الإمبراطورية، فإن جيوش المستقبل ستحمل شرعية الخوارزميات، باعتبارها “عقلانية” وغير منحازة، رغم أنها أدوات بلا رحمة.

وصلنا الآن إلى الوجه الثالث من وجوه الشر الكامنة في الذكاء الاصطناعي، وهو المراقبة.

فالذكاء الاصطناعي لا يراقبك فقط، بل يعيد تشكيل قراراتك، ويوجّه سلوكك دون أن تدري. إنه يسجّل خطواتك، نبضاتك، ميولاتك، وأحلامك. ثم يُعيد ترجمتها إلى سلوك استهلاكي أو قرار سياسي.

وهكذا، يتحوّل الإنسان، تحت سطوة تقنيات التتبّع والاختراق، من كائن حرّ إلى “مستخدم” محاصر بخيارات مصمّمة سلفًا. وتتجاوز شركات التكنولوجيا الكبرى بيع المنتجات، لتصل إلى إعادة هندسة الوعي البشري.

أما الحكومات، فترى في الذكاء الاصطناعي فرصة لبناء مجتمعات “آمنة”، أي خاضعة للمراقبة الدائمة.

في ختام هذا المقال، لا بد من دقّ ناقوس الخطر وطرح الأسئلة المصيرية:

  • هل نعيش، مع ثورة الذكاء الاصطناعي، نهاية الإنسان القديم؟
  • ما يحدث اليوم ليس مجرد تطور تقني؛ فهل هو نهاية نموذج الإنسان الذي عرفناه: ذاك الذي يفكّر، يخطئ، يقرّر، ويتحمّل المسؤولية؟
  • أمام الذكاء الاصطناعي، يبدو الإنسان المعاصر بطيئًا، عاطفيًا، وقليل الدقة. فمن سيبقى في مركز المسرح؟ وما مصير ملايين البشر الذين لا يمتلكون المهارات الرقمية؟ وكيف سيعيش من لا يستطيع مواكبة هذا الانفجار التكنولوجي المهول؟

وأخيرًا، قبل أن نعود في مناسبة لاحقة لمعالجة هذا الموضوع من زاوية جديدة، نذكّركم بفكرة محورية، قد تكون الخلاصة الأهم لما سبق:

من يملك الخوارزميات، يملك السلطة والهيمنة.

و هكذا، فالذكاء الاصطناعي ليس شريرًا بطبيعته. لكنه يُصبح كذلك حين يُستخدم دون وعي أو محاسبة، ودون أدنى رقابة أخلاقية.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button