أخبارالرئيسيةفي الصميم

التحولات الإقليمية..كيف يغير الهجوم الأمريكي مسار الصراع مع الحوثيين؟

التصعيد العسكري الأخير في البحر الأحمر الذي ترجمه الهجوم الأمريكي على أهداف عسكرية نوعية تابعة لميليشيا الحوثي الإرهابية سيكون بلاشك بداية مواجهة عسكرية مفتوحة مع ميليشيا الحوثي الإرهابية التي إختطفت الدولة اليمنية في سياق سياسي معين لتحولها إلى بارشوك جيوسياسي لنظام الولي الفقيه في طهران يمارس بها جنرالات الحرس الثوري إستراتيجياتهم المفضلة في خلط الأوراق الإقليمية، و إعادة إنتاج ميكانيزمات الصراع الأقليمي بما يخدم مصالح البرنامج النووي الإيراني الخط الدفاعي الأخير لدهاقنة النظام الإيراني في مواجهة الغرب الذي لا يخفي نيته إسقاط هذا النظام و إستبداله بنظام ديمقراطي يعبر على آمال و طموحات الشعب الإيراني الأصيل المختطف هو الآخر منذ حوالي نصف قرن من طرف الجماعات الأصولية و المرجعيات الشيعية المتطرفة في طهران و الحوزات الدينية الشيعية في قم .

بقلم : البراق شادي عبد السلام

فلا يخفى على أحد الدور الإستراتيجي الذي بات يلعبه البحر الأحمر في خريطة التوازنات الدولية و بشكل خاص بعد عملية طوفان الأقصى بتداعياتها العسكرية و الأمنية و الإقتصادية على المنطقة من خلال رغبة المجتمع الدولي في تطهير مضيق باب المندب من سيطرة الجهات الفاعلة الغير الحكومية و المنظمات المسلحة الغير النظامية كجماعة أنصار الله الإرهابية التي أصبحت تشكل أحد أخطر التهديدات التي تواجه الملاحة العالمية و إستقرار خطوط الإتصال العالمية و سلاسل الإنتاج الإقتصادية في العالم .

حسب تقارير أعلامية إستهدفت الضربات الجوية والبحرية، بما في ذلك صواريخ “توماهوك” الهجومية البرية (TLAM) التي أُطلقت من الطراد “يو إس إس جيتيسبيرغ” (CG-64)، كبار قادة الحوثيين، كما أصابت الرادارات والدفاعات الجوية وأنظمة الصواريخ والطائرات بدون طيار في صنعاء وصعدة والبيضاء وحجة وذمار ومأرب والجوف ، شاركت القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) بـ 20% من الأصول البحرية للأسطول الخامس (US Fifth Fleet) في البحر الأحمر في تنفيذ الهجوم، حيث شملت هذه الأصول المجموعة الضاربة الثامنة (CSG-8) التي تقودها حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس هاري إس. ترومان” (CVN-75)، إلى جانب ثلاث مدمرات من فئة “آرلي بيرك” وهي: “يو إس إس ستاوت” (DDG-55)، و”يو إس إس جايسون دونهام” (DDG-109)،و”يو إس إس ذا سوليفانز” (DDG-68)، بالإضافة إلى طراد الصواريخ “يو إس إس جيتيسبيرغ” (CG-64) من فئة تيكوندروغا ، كما تتواجد مدمرة الصواريخ الموجهة “يو إس إس سبروانس” (USS Spruance)، إلى جانب الغواصة النووية الأمريكية “يو إس إس جورجيا” (SSGN-729) من فئة “أوهايو”، التي تحمل 154 صاروخ “توماهوك” للهجوم الأرضي، منها 24 صاروخًا برؤوس نووية، في خليج عدن جنوب اليمن ، في المقابل ردت ميليشيا الحوثي الإرهابية حسب إدعاءتها الغير موثقة بشنِّ هجمات باستخدام عشرات الطائرات دون طيار أحادية الاتجاه (O-UAV) وصواريخ كروز المضادة للسفن (ASCM) ضدالمجموعة الضاربة الثامنة (CSG-8) ، الطبيعة الجغرافية لغرب اليمن تنمنح الحوثيين ميزة استراتيجية، تساعدهم على إيجاد مواقع محصنة لإطلاق الصواريخ المضادة للسفن والطائرات بدون طيار، كما تمكّنتهم من المناورة بمنصات الإطلاق، فضلًا عن إطلالتهم على البحر الأحمر، التي توفر زاوية مناسبة لإطلاق الهجمات على السفن الأمريكية.

الهجوم الأمريكي على الأهداف العسكرية الحوثية هو تغيير إستراتيجي في مسار المواجهة بين الطرفين منذ بداية الضربات الأمريكية البريطانية في مطلع سنة 2024 إلى اليوم التي كانت تستهدف إضعاف قدرات الحوثيين من خلال ضربات مُخطط لها مسبقاً على الأصول العسكرية الثابتة والاستهداف الديناميكي لأنظمة الأسلحة المتحركة و التي استمرت حتى عام 2025 ، اليوم بعد إدراج واشنطن لميليشيا للحوثي في قائمة المنظمات الإرهابية سنشهد عمليات نوعية تستهدف قيادات رفيعة المستوى في الهيكل العسكري و السياسي للحوثي .

التصنيف الأمريكي لميليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية كان خطوة إستراتيجية إلى الأمام لإنهاء حالة الفوضى المنظمة في مضيق باب المندب كأهم المسارات الملاحية البحرية العالم و أحد مفاتيح الإستقرار و الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط بأبعاده المتعددة ، منذ الإنقلاب الإيراني على الحكومة الشرعية اليمنية في صنعاء بتسخير جماعة أنصار الله و سيطرت ميليشياتها المسلحة على مفاصل الدولة اليمنية و البلاد تغرق في حرب أهلية مدمرة و فوضى و مجاعات و أوبئة و العديد من الصعوبات الإقتصادية و الإجتماعية التي عانى و يعاني منها الشعب اليمني الشقيق بسبب إرتهان قيادة الميليشيا لرغبات صانع القرار السياسي في طهران الذي حول اليمن بتاريخه العريق إلى بندقية إقليمية مأجورة ببعد جيوسياسي تشكل تهديدا مباشرا لميكانيزمات السلام و الإستقرار العالمي و الإقليمي و بشكل خاص بعد عملية طوفان الأقصى التي أغرقت الشرق الأوسط في حرب دموية أدى ثمنها الأبرياء و المدنيون من الجانبين في مذابح يندى لها جبين الأنسانية .

الهزيمة التكتيكية للمحور الإيراني في معركة طوفان الأقصى كان من نتائجها المباشرة إنهاء تحكم ميليشيا حماس في قطاع غزة و التي حولت المدنيين العزل إلى دروع بشرية لتحقيق صفقات تبادل رهائن لا أفق سياسي لها و لا نتائج مباشرة لها على تقدم الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي نحو حل سياسي مستدام ينهي عقودا من معاناة الشعب الفلسطيني في المنافي و مخيمات اللجوء ، و سقوط النظام الشمولي البعثي في سوريا الذي أنهى مرحليا الحرب الأهلية السورية التي إمتدت لأكثر من ثلاثة عشر سنة أدى فيها الشعب السوري الثمن غاليا و لازال ، و تحييد قيادات ميليشيا حزب الله الإيراني في بيروت أبرزها حسن نصر الله و القيادة العسكرية العليا للحزب و إنتخاب رئيس جديد في لبنان بعد سنوات من الفراغ السياسي و الدستوري المدمر الذي أدى إلى أزمات إقتصادية و إجتماعية متلاحقة أرهقت الشعب اللبناني ، فإنحسار دور الميليشيات الإيرانية في صناعة القرار الإقليمي إبتدأ عمليا بإغتيال الجنرال قاسم سليماني .الهجوم الأمريكي الأخير على المواقع العسكرية التابعة لميليشيا الحوثي هو إنهاء عملي لعربدة النظام الإيراني في منطقة الشرق الأوسط و تكريس نهائي لقواعد الإشتباك الإقليمية الجديدة التي أفرزتها نتائج معركة طوفان الأقصى التي كتبت للأسف بدماء عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين الغزيين في هذا الطوفان الدموي ، و تثبيت قواعد الإشتباك الإقليمية الجديدة يتطلب اليوم مؤتمر ” يالطا “شرق أوسطي بين مختلف القوى الفاعلة في الميدان العسكري و السياسي بما فيها إسرائيل لبناء تصور جديد لمفهوم الأمن في منطقة الشرق الأوسط و إعلانها منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل و خطاب التطرف و الجماعات الإرهابية و الإنفصالية و السلاح الغير خاضع لسيطرة الجهات الحكومية الفاعلة .فالعودة للمسارات السياسية و الأمنية و الإقتصادية التي حاولت إرساءها “قمة النقب ” أصبح اليوم ضرورة إستراتيجية على المستوى الإقليمي مع قرب تغير الموقف السياسي الداخلي في إسرائيل فحكومة الحرب الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو الحالية ليست قدرا إسرائيليا أو شرق أوسطيا و تداعيات نتائج حرب طوفان الأقصى على المستوى الانتخابي لم تنضج شروطها الذاتية و الموضوعية في تل أبيب لتفرز واقعا سياسيا جديدا في إسرائيل “مابعد نتنياهو ” قادر على بناء السلام و الإنخراط الفعلي في ديناميكيات الإستقرار الإقليمي و السلام المستدام في توافق تام مع باقي القوى الإقليمية الفاعلة في الملف الفسطيني .

الهجوم الأمريكي على مواقع الحوثي و إستهداف الهيكل العسكري القيادي في ميليشيا أنصار الله بما فيها عملية مستقبلية لتحييد عبد الملك بدر الدين الحوثي من المشهد قد يفتح الطريق أمام قيادات حوثية أقل رتبة للدخول في مفاوضات مع باقي الأطراف للتوصل إلى حل تفاوضي ينهي الأزمة السياسية و العسكرية في اليمن في نفس سيناريو لبنان بعد تحييد حسن نصر الله ، لذلك فالتصعيد الأمريكي ضد الحوثي قد يتخذ أربع مسارات متوازية عبر إستهداف البنية التحتية العسكرية و إستهداف البنية التحتية المدنية و تصفية القيادات و ضرب الهيكل التنظيمي و دعم لوجسيتيكي و عملياتي لمناورة برية لتحرير مناطق في عمق سيطرة الحوثي لنقل المعركة في الحاضنة الجغرافية و العقيدية للميليشيا ” صعدة ” .تشابك المصالح الجيوسياسية و العسكرية مع تعقيدات الموقف الإقليمي و تداخل المسارات العسكرية و الأمنية بتواجد 19 قاعدة عسكرية لمختلف دول العالم في مضيق باب المندب و أكثر من عملية عسكرية بحرية أمريكية و أوربية لتأمين الملاحة البحرية في المضيق يطرح أكثر من تساؤل حول طبيعة الأولويات التي تحكم المراقب للوضع الجيوسياسي في المضيق و جنوب البحر الأحمر ، فصناعة إستقرار إقليمي في المضيق يمر أساسا عبر تطوير الهجوم الأمريكي ليتوسع إلى ” نورماندي مصغر ” على شكل عملية إنزال بحري و جوي لقوات عسكرية تابعة للشرعية اليمنية في الحديدة و توفير دعم لوجيستيكي و عملياتي و إستخباراتي لعملية الإنزال بشكل يجعل الحكومة الشرعية اليمنية تسيطر على أحد أهم موانئ البحر الأحمر بدون الدخول في حرب إستنزاف يراهن عليها الحوثي لتحويل المدينة إلى بؤرة إنسانية لإستدرار العطف الدولي و مخاطبة الضمير الانساني ، فمعركة تحرير الحديدة ستكون إنعطافة مهمة في مسار الحرب بشكل عام حيث كانت المدينة تاريخيا بوابة دخول العاصمة صنعاء، و التحكم بها سيكون له تداعيات كبرى على ميكانيزمات الأمن البشري في المضيق و على مسارات المواجهة العسكرية المرتقبة بين عناصر أنصار الله و القوات المسلحة اليمنية لإنهاء أزمة إنسانية يعاني بسببها أكثر من 19 مليون شخص في اليمن هم اليوم في حاجة إلى الحماية و المساعدات الإنسانية مع التذكير أنه في سنة 2024، فشل المانحون في تلبية إحتياجات التمويل المطلوبة من قبل الأمم المتحدة لليمن، مما أدى إلى نقص حاد في الموارد المخصصة للمساعدات الإنسانية.

من أصل 2.71 مليار دولار مطلوبة، تم تلقي 1.36 مليار دولار فقط، مما يمثل 50.2% من التمويل المطلوب، وهو أدنى مستوى تمويل خلال السنوات الخمس الماضية.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button