الثالث والعشرون من رمضان : المولى يوسف يأمر بتأسيس أول وزارة أوقاف في تاريخ المغرب

في عهد السلطان المولى يوسف ابن الحسن الأول تأسست بالمغرب أول وزارة للأوقاف، وتم إسنادها إلى المرحوم أحمد الجاي بمقتضى ظهير مؤرخ في 23 رمضان 1333 هـ الموافق 4 غشت 1915 م، وكان الوزير أحمد الجاي قد عين قبل ذلك بموجب ظهير يوسفي على رأس إدارة الأحباس العمومية بما يخول له القيام بكل ما يرجع إلى هذه الوظيفة على مقتضى ما هو مقرر، وما يتجدد فيها من الضوابط الشرعية والقواعد المرعية الكفيلة بسير أعمالها على أسلوب واضح متين، وذلك في 20 ذي القعدة 1330هـ الموافق 31 أكتوبر 1912م،
وقبل تعيين أحمد الجاي في هذا المنصب، كان كل وقف يدار من طرف ناظره الخاص أي الشخص الذي اختاره المُحَبِّس، ليتولى تدبير الوقف وصرف ريعه في الوجه المحدد له، فكان هذا التدبير والتصرف لا يخضعان لرقابة غير رقابة الضمير والورع، كما أن كل وقف كان يؤدي مهمته اعتمادا على دخله دونما مساعدة من أي وقف آخر، فإذا ما توقف على إصلاح ما، مثلا ليستمر نفعه، وكان لا يتوفر على مورد آخر، بقي مهملا يتخرب إلى أن يندثر، فتنقطع بالتالي منفعته، وهكذا بقيت عدد من أملاك الأوقاف المعينة لجهة ما في إهمال تام بسبب عجز نظارها عن تداركها بيد الإصلاح والترميم، حتى اندثرت بالمرة وانقطع بذلك نفعها.
وتنبه الملوك الذين تعاقبوا على حكم المغرب إلى هذه الظاهرة، فسعوا إلى الحفاظ على تراث الأوقاف وإحاطة رغبة المحبسين بهالة من الإكبار والتقديس، فازدهرت بذلك شؤون الأوقاف إزدهار كبيرا في عهد الدولتين الموحدية والمرينية، وجاءت بعد ذلك الدولة العلوية، فانبرى ملوكها لبذل قصارى الجهود، في تنظيم الأوقاف، وسلوك طريق التبصر في السهر على حقوقها ونصالحها واستمرار ثرواتها وممتلكاتها.
ومن دلائل اهتمام الملوك العلويين بالأوقاف، أن المولى إسماعيل أصدر أوامره لجميع نظار المملكة بإحصاء أملاك الأوقاف، وتدوينها في سجلات خصوصية، هي ما يعرف الآن بالحوالات الحبسية، وأن المولى عبد الله أنشأ “نظارة النظار” على غرار “أمانة الأمناء” في 15 جمادى الثانية 1143هـ الموافق 26 دجنبر 1730 م، واهتم المولى يوسف بجمع الأوقاف وتعيين مدير عام لها بتاريخ 20 ذي القعدة 1330 هـ، 31 أكتوبر 1912 م، ثم بترقيته إلى منصب وزير تقديرا لمجهوداته في صيانة الأوقاف وتنظيمها، وذلك بتاريخ 23 رمضان 1333 هـ، الموافق لـ 4 غشت 1915، ومن هذا التاريخ ابتدأت سلسلة التشريعات والتنظيمات التي تسير عليها الأوقاف حاليا، على الرغم من محاولة السلطات الفرنسية في فترة الاستعمار استنزاف الممتلكات الحبسية، لكنها لم تنجح في جعل مؤسسة الوقف داخل نطاق معاهدة الحماية، وبقيت الدولة محافظة على خصوصية الوقف المغربي واستقلاليته إلى اليوم.
وبمقتضى الظهير الشريف رقم 1.16.38 الصادر في 17 من جمادى الأولى 1437هـ الموافق 26 فبراير 2016 في شأن اختصاصات وتنظيم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فقد عهد إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية العمل على التعريف الصحيح بحقائق الدين الإسلامي الحنيف، والمبهر على نشر تعاليمه السمحة وقيمه الراسخة، وأداء رسالة الأوقاف، والمحافظة على كيانها، والعمل على تنمية ممتلكاتها، وتحسين مداخيلها، للصرف منها على وجوه الخير والبر والإحسان التي وقفت من أجلها، وفي مقدمتها خدمة مصالح الدين، كما ان من مهامها الحفاظ على القيم الإسلامية وسلامة العقيدة ووحدة المذهب المالكي، والعمل على ضمان إقامة الشعائر الدينية في جميع مساجد المملكة في ظروف من الطمأنينة والسكينة والنسامح والإخاء، إضافة إلى إحياء التراث الإسلامي، وبعث الثقافة الإسلامية، والعمل على نشرها على أوسع نطاق.
وبموجب نفس الظهير الملكي، تتولى وزارة الأوقاف تأطير المساجد والمساهمة في بنائها وترميمها وتوسيعها وتجهيزها، وإعداد سياسة الدولة في مجال التعليم العتيق والإشراف عليه وتنظيم شؤونه، فضلا عن الإشراف على برنامج محو الأمية بالمساجد، والعمل على تطويره بما يستجيب لحاجات المستفيدين ويواكب المستجدات، كما تعمل الوزارة بمقتضى نفس الوثيقة على توثيق أواصر التعاون وإقامة علاقات التبادل والتنسيق مع القطاعات والهيئات الوطنية والدولية في إطار السعي لتحقيق أهداف الوزارة.
المصادر:
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
مجلة دعوة الحق.
المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة.