أخبارفي الصميم

مأزق النخب السياسية

بقلم:عبدالله العبادي

لم تفلح الحكومات العربية المتعاقبة كثيرا في خلق المجتمع المأمول، فسياسيوها مروا على الأخضر واليابس ولم يتركوا شيئا لشعوب مستضعفة، ومثقفون وعلماء دين، اغلبهم صفق للساسة من أجل مراكز وامتيازات، إلا قلة من المناضلين سحقوا اينما وجدوا.

فالخطاب الشعبي العربي جعل من السياسيين أناسا غير عاديين فوق القانون وحجر الزاوية لصيرورة أمور البلاد والعباد. هدا الاحساس دفع الكثيرين للتعاطي للسياسة من اجل الكسب والجاه وولد لدى الأجيال إحباطا ونفورا من لعمل السياسي الذي تستحوذ عليه طبقة معينة وتتوارثه. تداول السلطة بهذا الشكل صنع نخبة داخل دائرة القرار السياسي اعدمت عملية الانتقال السياسي بين كل مكونات المجتمع المدني وحتى ان كان هناك انتقالا او تداولا سياسيا فهو يتم بين افراد النخبة بشكل قبلي.الدولة في الوطن العربي محددة في المجتمع السياسي او الطبقة الحاكمة فقط  في غنى عن المجتمع المدني. عرف غرامشي الدولة على أنها المجتمع السياسي والمجتمع المدني فهي توازن بينهما ويضيف ان المجتمع المدني والدولة هما في الواقع الملموس شيء واحد.

فالمجتمع المدني عند هيغل تقابله الدولة والمجتمع السياسي باعتبارهما لحظتين في البنية الفوقية, بل يشمل المجتمع المدني في فلسفة الحق الهيغلية العلاقات الاقتصادية. فالمجتمع السياسي اذن بمعنى الهيمنة السياسية والثقافية لجماعة اجتماعية معينة على المجتمع كله, باعتبارها المضمون الأخلاقي للدولة. وهته البنية الذهنية مترسخة في الفكر السلطوي العربي وتتجلى بشكل راسخ في محاولات توريث السلطة ونقلها بين افراد الجماعة المهيمنة وكذا افراد الحزب.

هذا الوضع ولد شرخا بين الجماعة الفوقية وبين مكونات المجتمع وبين الممثلين والممثلين لهم، فانفصلت الأحزاب عن المجتمع ولم تعد الاحزاب بطريقة تنظيمها الحالية وقيادييها معترف بها من الأغلبية الساحقة من المجتمع الذي تعبر عنهم. هذا الوضع يولد صراعا ويفسح المجال امام الحلول العنيفة وينطبق على الحالة الراهنة للشعوب العربية.

فالأحزاب السياسية حتى وان وجدت في العالم العربي فقد انصهرت في الواقع السياسي النخبوي العربي ولم تعد تحمل هم الشعوب بقدر ما أصبحت أحزاب كارتونية تجري وراء أهداف شخصية. لقد فشلت الدولة العربية في مشروعها السياسي الكبير، المتمثل في بناء دول حديثة ديمقراطية تضمن العيش الكريم لكل مواطنيها، دول غير تابعة، ودول قوية بكل طاقاتها كيفما كانت طبقاتهم الاجتماعية.

كما أن ضعف اغلب الاحزاب العربية يرجع ليس فقط لقياداتها القديمة ومشاريعها الفارغة بل ايضا لدور الدول السلبي في تقوية الدولة من خلال الاحزاب. فالدولة تعمل دائما كحزب فوق الاحزاب يهيمن على الحياة السياسية ويسيرها بتواطؤ مع باقي الأحزاب وفي نفس الوقت تعمل الدولة-الحزب على تفكيك بعض التيارات والأحزاب وإضعافها وإبعادها عن المعترك الاجتماعي لتلعب الدولة دور الوسيط والحكم والحكيم ايضا في العلاقة بين الاحزاب والمجتمع. فالدولة-الحزب من خلال هذا الطرح تسعى الى اطفاء الشرعية على سياساتها التي هي في الأساس تهدف إلى إضعاف الدولة – المجتمع كثنائية وتسعى الى تقوية الدولة-الحزب على مصالح الشعب وبدلك فهي لا تعمل على تحقيق التوافق بين الأعلى والأسفل وتقوية الأحزاب والعملية السياسية برمتها، من اجل المصلحة العامة. هته الاخيرة هي الضامن الوحيد لاستمرار الدولة، وإلا تكون الدولة في عملية لتحطيم الذات.             

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button