السابع والعشرون من رمضان: تحرير مدينة الجديدة من أيدي البرتغال

في مثل هذا اليوم السابع والعشرين من رمضان سنة 1182 هـ الموافق 4 فبراير 1769 م، نجح السلطان العلوي محمد بن عبد الله في استرجاع مدينة الجديدة من أيدي الاحتلال البرتغالي، وكانت تسمى حينئذ بمدينة البريجة، وكانت البريجة قد خضعت للاحتلال البرتغالي منذ 907 هـ – 1502 م، وذلك ضمن سلسلة احتلالات قام بها البرتغاليون للثغور المغربية، ثم شرعوا في بناء المنشآت الأولى بغرض تغيير معالم المدينة.
ولحنكة السلطان محمد بن عبد الله فقد بذل جهودا جدية لتحرير البريجة، مستغلا بعدها النسبي عن مراكز الإمدادات البرتغالية، كما كانت البرتغال تعاني من ظروف صعبة خلال حكم جوزيف الأول، الذي كان قليل الإلمام بشؤون الدولة، حيث عهد بإدارة البلاد إلى وزيره المركيز دي بومبال، الذي ركز اهتمامه بشكل أساسي على القضايا الداخلية.
وقبل أن يكمل العاهل المغربي الاستعدادات لحصار البريجة، أرسل خطابا حازما إلى حاكمها، يطالبه فيه بدفع الجزية أو مواجهة تبعات الحرب، غير أن الحاكم رد بالتحدي وإعلان استعداده للمواجهة العسكرية، وبعد التشاور مع مجلسه الحربي قرر السلطان فرض حصار بري وبحري على البريجة.
وتمت تعبئة المتطوعين من مراكش والحوز وسوس ومختلف الجهات، بما في ذلك خمسمائة متطوع من الصحراء وشنقيط، والذين وصفهم المؤرخ الضعيف في كتابه “تاريخ الدولة السعيدة”، بأنهم كانوا يرتدون الجلد ويركبون الإبل، وشعورهم مسدلة، ثم بدأ تجميع الجيش النظامي والمتطوعين بالقرب من الجديدة في أوائل رمضان 1182 هـ / 1769 م، قبل أن ينضم السلطان إلى الحشود في منتصف الشهر، بعد أن زار ضريح أبي العباس السبتي طلبا للبركة.
وتم حفر خندق حول البريجة التي كانت المعروفة أيضا باسم أومازيغان أو مازاغان وفق التسمية البرتغالية وهو اسم وطني قديم ورد ذكره لدى البكري في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، وتم نصب 35 مدفعا، واستخدمت القنابل المصنوعة من خليط من سبعة معادن، حيث بلغ وزن كل واحدة منها أكثر من قنطار، ورافق الملك وزراؤه والأمراء، وقد ارتدى الجنود دروعهم، ودقت الطبول لتحميسهم، ونصبت المدافع أيضا من جهة البحر، بقيادة الضابط التركي الحاج سليمان، الذي أبدع في تنظيم عمليات المدفعية، بمساعدة رماة محليين متمرسين.
وحاول البرتغاليون الرد بمدافعهم، لكن مدى الطلقات لم يصل إلى مواقع الجيش المغربي، ومع تصاعد القتل بين السكان وتدمير المباني، باتت المدينة مهددة بالفناء، ولم تفلح محاولات السكان البرتغاليين لاستعطاف سلطات بلادهم، حيث أصدرت الحكومة البرتغالية تعليمات بإخلاء المدينة ونقل السكان باستخدام وحدات النقل المخصصة لذلك.
وبحسب ما ورد في كتاب “الحلل البهيجة في فتح ثغر البريجة لمؤلفه محمد بن القاسم بن محمد المسلماني المراكشي، فقد كانت توارادت على المحيط الاطلسي قبالة الجديدة إحدى عشرة سفينة جاءت لدعم البرتغاليين، وبدأت سلسلة مفاوضات وأخذ ورد، بين موفد السلطان محمد بن عبد الله وحاكم المدينة، لنتهت بمنح السكان مهلة لا تتجاوز ثلاثة أيام للإخلاء، وخلال هذه الفترة عمد البرتغاليون إلى تدمير المباني والمنشآت الدفاعية باستخدام القنابل، وزرعوا المتفجرات في أنحاء المدينة، وأتلفوا كل ما لم يتمكنوا من نقله إلى بلادهم، وعند انتهاء عملية الإخلاء وفقا لمصدر نقله الناصري في الاستقصا، ومع دخول القوات المغربية المدينة، ورغم تحذيرات السلطان، قام متطوع برتغالي بتفجير المتفجرات المزروعة، مما أدى إلى مقتل عدة مئات من المغاربة، وصل عددهم في بعض التقديرات إلى خمسة آلاف.
ثم أسكن العاهل بالمدينة المحررة أسرا من دكالة، وقد أطلق على المدينة منذ ذلك الوقت اسم المهدومة، إلى حوالي منتصف القرن 13 هـ – 19 م (أوائل حكم مولاي عبد الرحمن)، فرممت أسوارها ومنشآتها، وأطلق عليها اسم الجديدة.
وأمر العاهل بإسكان مجموعة من الأسر القادمة من دكالة في المدينة المحررة، ومنذ ذلك الحين أطلق عليها اسم “المهدومة” بدل اسم “البريجة”، إلى منتصف القرن الثالث عشر هجري – التاسع عشر ميلادي، خلال بداية حكم مولاي عبد الرحمن، حيث جرى ترميم أسوارها ومنشآتها، وتغير اسمها ليصبح كما هو عليه اليوم “الجديدة”.
المصادر:
كرونولوجيا تاريخ المغرب، محمد القبلي، منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب.
مجلة دعوة الحق العدد 221.