أخبارالرئيسيةفي الصميم

فضيحة دعم استيراد المواشي..من نُصدق؟ بركة الوزير أم بركة الحزبي؟

عندما يخرج نزار بركة، وزير التجهيز والماء والأمين العام لحزب الاستقلال، ليكشف أمام الرأي العام أن مستوردي الأغنام والأبقار حصلوا على دعم ضخم يصل إلى 13 مليار سنتيم، ثم يأتي رشيد الطالبي العلمي، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، ليُصحح الرقم ويقول إن المبلغ لا يتجاوز 300 مليون درهم.

فهنا لا بد أن نتوقف طويلاً ونتساءل: من نُصدق؟ الوزير أم الحزبي؟ أم أن كلاهما يُلقي الكلام على عواهنه، دون احترام لذكاء المغاربة؟نزار بركة لم يكن يتحدث في جلسة خاصة أو على مائدة عشاء بين الأصدقاء، بل كان يتحدث بصفته أميناً عاماً لحزب الاستقلال، أحد أركان الأغلبية الحكومية، وزعيماً سياسياً يُفترض أن لديه معطيات دقيقة وموثوقة بحكم موقعه في الحكومة.

بقلم: ذ. زهير أصدور

إذن، هل يُعقل أن وزيراً بهذا الحجم، في حكومة يقودها حزب التجمع الوطني للأحرار، لا يملك الأرقام الحقيقية حول ملف حساس يمس القدرة الشرائية للمواطنين؟ هل يُعقل أن وزيراً في حكومة مسؤولة عن تدبير الشأن العام يعتمد على معطيات خاطئة في قضية بحجم اختلاس محتمل لمليارات السنتيمات من المال العام؟أما رشيد الطالبي العلمي، فقد حاول بكل ما أوتي من مهارة سياسية أن يُبرئ الحكومة ويُخفف من وقع تصريحات بركة، لكنه في الواقع زاد الطين بلة.

فعندما يقول العلمي إن “المبلغ الحقيقي المصروف لا يتعدى 300 مليون درهم”، فهذا يعني أحد أمرين: إما أن بركة كان يروج لمعطيات كاذبة ومضللة، مما يستوجب محاسبته سياسياً، أو أن العلمي يحاول التغطية على فضيحة مدوية في تدبير المال العام، وهو ما يستوجب فتح تحقيق شفاف أمام الرأي العام.الطالبي العلمي، وبكل برودة أعصاب، دعا من يعتقد بوجود اختلاس إلى اللجوء للقضاء، وكأن القضاء المغربي يتدخل تلقائياً في مثل هذه القضايا! وهنا مكمن الخلل: إذا كانت الحكومة تُقر بأن هناك تضارباً في الأرقام حول تدبير دعم استيراد المواشي، فلماذا لا تُبادر إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية وتقديم تقرير مفصل للمغاربة حول من حصل على الدعم، وكيف تم توزيعه، ولماذا لم ينعكس على أسعار اللحوم التي لا تزال تواصل ارتفاعها بشكل جنوني؟والأخطر من ذلك، أن الطالبي العلمي أراد أن يُخرج بركة من ورطته بالقول إن تصريحاته جاءت “بصفته الحزبية وليس الحكومية”، وكأن المغاربة لا يميزون بين بركة الوزير وبركة الأمين العام! هل نزار بركة لديه شخصيتان؟ هل يتحدث بمعطيات الحكومة نهاراً ثم يعود ليقدم أرقاماً من نسج الخيال مساءً في التجمعات الحزبية؟ إذا كان الأمر كذلك، فنحن أمام حالة انفصام سياسي خطيرة، تضع مصداقية الحكومة برمتها على المحك.

أما البرلمان… فحدّث ولا حرج!في رده على التساؤلات حول تحركات المؤسسة التشريعية في هذا الملف، جاء جواب الطالبي العلمي مليئاً بالمراوغة: “البرلمان لا يوجد في دورة، ولكن رؤساء الفرق قدموا طلبات مهمات استطلاعية في لجنة القطاعات الإنتاجية”، مضيفاً: “ناقشنا هذا الأمر يوم الثلاثاء في المكتب، ولكن النقاش لم يكتمل لتوقف الاجتماع، فارتأينا أنه للرجوع إليه، يتعين أن تدقق اللجنة في الموضوع.”بمعنى آخر، البرلمان “ما مسوّقش” لهذا الملف الحارق، والمهمة الاستطلاعية ما زالت تنتظر استئناف اجتماع المكتب، وكأن الأمر يتعلق بمشروع ثانوي وليس بمليارات من المال العام تبخّرت دون أن يستفيد منها المواطن المغربي البسيط الذي لا يزال يكتوي بنار الأسعار الملتهبة!إذا كانت الحكومة عاجزة عن تقديم أرقام شفافة، وإذا كان البرلمان ينتظر اكتمال “النقاش” حول موضوع واضح وضوح الشمس، فأي جهة في هذه البلاد ستدافع عن حق المغاربة في معرفة أين ذهبت هذه الأموال؟ هل سنبقى رهائن للصراعات الحزبية والتصريحات المتناقضة، أم أن الوقت قد حان لفتح تحقيق حقيقي يُحاسب كل من تلاعب بالمال العام، سواء كان مستورداً محظوظاً، أو وزيراً متناقضاً، أو برلمانياً غارقاً في سباته العميق؟السؤال الجوهري هنا: هل نحن أمام حكومة تُدبر الشأن العام بمسؤولية وشفافية، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون صراعاً حزبياً على حساب جيوب المواطنين؟ إذا كان نزار بركة قد أخطأ، فيجب محاسبته علناً، وإذا كان الطالبي العلمي يحاول التستر على اختلالات في توزيع الدعم، فيجب مساءلة الحكومة برمتها.

أما أن تمر هذه المهزلة دون محاسبة أو تصحيح، فهذا يعني أن أموال دافعي الضرائب ستظل غنيمة يتقاسمها “المحظوظون” في صمت، والمواطن البسيط سيستمر في دفع الثمن غالياً على موائد اللحم التي أصبحت حكراً على الأثرياء!

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button