استدامة أنظمة التقاعد..المسار والمآل
مواكبة لتنزيل ورش الحماية الاجتماعية وتنفيذا للتعليمات الملكية السامية، ولاسيما في شقه المتعلق بنظام التقاعد، وأخذا بعين الاعتبار ما تعرفه المنظومة ذات الصلة من اختلالات، وما اعتمدته الحكومات السابقة من مقاربات، لم تعمل إلا على تأجيل تاريخ بروز العجز المالي للصناديق المعنية، حيث تظل هشاشة التوازنات المالية لهذه الأخيرة قائمة، نظمت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب يوما دراسيا في موضوع “استدامة أنظمة التقاعد في ظل تعميم الحماية الاجتماعية”، بهدف مساءلة أنظمة التقاعد بين المسار والمآل في أفق ضمان استدامتها في ظل تعميم الحماية الاجتماعية، وذلك سعيا نحو إنجاح هذا الورش الملكي الهام وكسب رهاناته.
وعرف هذا اللقاء الذي ترأس أشغاله محمد شوكي، رئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، مشاركة كل من نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، وفوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية ومسؤولين عن كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والصندوق المهني المغربي للتقاعد، الصندوق المغربي للتقاعد، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، وصندوق الإيداع والتدبير للاحتياط.
وشكل هذا الملتقى الذي احتضن أشغاله مجلس النواب، مناسبة سعى من خلالها مختلف المتدخلين إلى تشخيص وتحليل واقع منظومة التقاعد ببلادنا، مبرزين عدم تجانسها وما يطبعها من اختلاف، سواء من حيث الخصائص التقنية، أو الديمغرافية، أو من حيث طبيعة الإشكالات التي تعرفها، حيث تتأرجح بين الصناديق التي ستستنفذ احتياطاتها بحلول 2028 وتلك التي تعرف عجزا تقنيا منذ 2020 مع توفرها على احتياطات مهمة، وكذا الصناديق التي تتميز بأفق استدامة بعيد نسبيا.
وسمحت المناسبة ذاتها، باستعراض حصيلة المجهودات المبذولة من طرف الحكومة في اتجاه حلحلة إشكالية منظومة التقاعد ببلادنا، ولا سيما بعد إحداث اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد، وبعد وضع الإطار العام لإصلاح منظومة التقاعد، الطامحة لخلق قطبين، أحدهما للقطاع العمومي والآخر للقطاع الخاص، بعد صدور القانون الإطار للحماية الاجتماعية.
وأجمعت فعاليات اليوم الدراسي على أهمية إصلاح نظام التقاعد، وفق مقاربة تشاركية مع الانفتاح على الفرقاء الاجتماعيين، ومراعاة الإكراهات المالية للإصلاح، بما يضمن توازن واستمرارية المنظومة ذات الصلة وديمومتها.
ولعل ما طبع هذا اللقاء أيضا، ما جاء من اقتراحات وما خلصت إليه الفعاليات المشاركة ولاسيما في اتجاهات العمل على الوضعية الحالية لنظام المعاشات المدنية بعد الإصلاح المقياسي الذي عرفه عام 2016، وعلى تجاوز الصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد لعجزه التقني، وتسريع جهود تعزيز توازنات أنشطة التقاعد وضمان الالتقائية على مستوى الخدمات والتمويل والإطار التنظيمي، وتجميع المنظومة في قطبين: قطب عمومي (RCAR-CMR) وقطب خاص (CNSS-CIMR) في أفق إحداث نظام وطني موحد يقوم على ثلاث دعامات.
وفي نفس السياق، يتم تدبير الإجبارية وفق قاعدة التوزيع تشمل الأشخاص في القطاع العام والخاص وغير الأجراء، وتكميلية قائمة على مبدأ المساهمة بالنسبة للدخول التي تفوق السقف المحدد، واختيارية تقوم على أساس الرسملة في نطاق التأمين الخاص الفردي أو الجماعي، ووضع آليات الحكامة وقيادة فعالة لأنظمة التقاعد للحرص على استدامتها، وإرساء مبادئ الحكامة التشاركية والشفافية القائمة على فصل واضح بين صلاحيات التوجيه الاستراتيجي والقيادة وبين تلك المتعلقة بالتدبير مع الحرص على التمثيلية الشرعية والفعلية للشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين داخل هيئات التوجيه وقيادة الأنظمة وكذا فيما يتعلق بوضع وتقييم سياسات الاستثمار وتوظيف الاحتياطات المالية.
هذا مع ضرورة مراعاة القدرات التمويلية للمشغلين والقدرة المساهماتية للمنخرطين، ومراجعة سياسة توظيف الأموال المتأتية من الاحتياطات واعتماد مقاربة موحدة للجوانب المتصلة بالغايات والتأثيرات المنشودة والتدبير والمراقبة وتشجيع الاستثمار الطويل المدى، وإحداث حد أدنى للدخل في سن الشيخوخة لا يقل على عتبة الفقر بالنسبة للأشخاص الذين لا يستفيدون من أي معاش في إطار الإصلاح الشمولي للمنظومة، وتوسيع مجال التمويلات المبتكرة على جميع الصناديق، والإصلاح المقياسي للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد واعتماد إصلاح عن طريق تعديل النصوص التنظيمية لما له من تأثير إيجابي على ديمومة النظام مع الرفع من سن التقاعد أو من واجب الانخراط، واعتماد الإصلاح المقياسي على مستوى النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد لما له من مكاسب إضافية هامة على مستوى أفق الديمومة بالنسبة لهذا النظام، وإمكانية إدراج إصلاحات مقياسية على مستوى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالنظر لما يتوفر عليه هذا الأخير من هوامش..حيث أن نسبة المساهمة بالنظام تنحصر في 11.89% وسن الإحالة على التقاعد محدد في 60 عاما، وتعزيز الديمومة حيث يجب القيام بعميات إدماج جديدة على أسس تقنية سليمة تضمن تحقيق تعرفة متوازنة، واستثمار الموارد الجديدة المحصلة وفقا لأفضل معايير تدبير المخاطر، وضرورة ملاءمة أجهزة التسيير بطريقة استباقية مع استغلال الامكانيات المتوفرة لدى الانظمة الحالية.